2. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد} [متفق عليه] وفي رواية لمسلم {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.
وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " [أخرجه الدارمي بإسناد صحيح].
وهذا هو فهم سلف الأمة لخطر البدعة: فقد قال إمام دار الهجرة مالك - رحمه الله -: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ? [المائدة:3] فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً ".
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: " من استحسن فقد شرع ".
حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي:
الاحتفال بمناسبة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ممنوع ومردود من عدة وجوه:
أولاً: أنه لم يكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه. وما كان كذلك فهو من البدع الممنوعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) (أخرجه أحمد 4/ 126، والترمذي برقم 2676. (
والاحتفال بالمولد محدث أحدثه الشيعة الفاطميون بعد القرون المفضلة – كما أسلفنا - لإفساد دين المسلمين. ومن فعل شيئاً يتقرب به إلى الله تعالى لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به، ولم يفعله خلفاؤه من بعده، فقد تضمن فعلُه اتهامَ الرسول بأنه لم يبين للناس دينهم، وتكذيب قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة/3] لأنه جاء بزيادة يزعم أنها من الدين ولم يأت بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
مناقشة بعض شبه مقيمي المولد:
1 - الاحتجاج بقول النبي {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ... }
وهذا الحديث له قصة، وهي أنه جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوم من مُضر حفاة عراة مجتابي النمار، فلما رآهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - تمعَّر وجهه لِما رأى بهم من الفاقة، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب بالناس يحثهم على الصدقة فجاء أحد الصحابة بصرة كادت يده أن تعجز عن حملها فوضعها أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فتتابع الناس حتى اجتمع كومان من طعام وثياب فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {من سن في الإسلام سنة حسنة ... } فالسنة أنه أحيا سنة الإنفاق بسخاء وليس هو الذي سن الصدقة.
2 - الاحتجاج بقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " نعمت البدعة هذه ".
ولكن نقول هذا في صلاة التراويح وهي سنة، ولكن عمر لما أقامها جماعة وقد ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - إقامتها على إمام واحد خشية أن تفرض قال ذلك من باب البدعة اللغوية؛ وهو ما لم يكن على غرار سابق فلم تكن في عهد أبي بكر - رضي الله عنه -، أو أن عمر - رضي الله عنه - لما أسرج المسجد واجتمع الناس رأى أن عمله هذا جديد؛ وهو الإسراج، فقال: " نعمت البدعة هذه "، وأيضاً عمر - رضي الله عنه - من الخلفاء الراشدين الذين يستدل بقولهم لقوله صلي الله عليه وسلم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " وعمر من الخلفاء الراشدين المهديين وأما من أحدث بدعة المولد فهم الشيعة العبيديون الروافض الذين يسبون صحابة الرسول ويكفرونهم فشتان شتان.
3 - دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم:
والجواب عن ذلك أن نقول: إنما تعظيمه صلى الله عليه وسلم بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته صلى الله عليه وسلم، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم لأنه معصية، وأشد الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة رضي الله عنهم، كما قال عروة بن مسعود لقريش: (أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداًُ صلى الله عليه وسلم، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيماً له) [البخاري 3/ 178 رقم 2731، 2732، الفتح]، ومع هذا التعظيم فإنهم -رضي الله عنهم- لم يجعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.
4 - يقولون: إن الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ينبئ عن محبته فهو مظهر من مظاهرها، وإظهار محبته مشروع!
والجواب أن نقول: لا شك أن محبته صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين - بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه - ولكن ليس معنى ذلك أن تبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا، بل محبته تقتضي طاعته وإتباعه، فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته، فمحبته صلى الله عليه وسلم تقتضي إحياء سنته، والعض عليها بالنواجذ، ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين.
العلماء الذين انكروا تلك البدعة على سبيل المثال لا الحصر:
فممن أنكر الاحتفال بهذه المناسبة شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم "، والإمام الشاطبي في " الاعتصام "، وابن الحاج في " المدخل "، والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألّف في إنكاره كتاباً مستقلاً، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه " صيانة الإنسان "، والسيد محمد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقلة، وغير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في إنكار هذه البدعة كل سنة في صفحات الجرائد والمجلات، في الوقت الذي تقام فيه هذه البدعة.
وصلى اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.