تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجاء في فتواه أنَّ السلف الصالح لم يفعلوا في ليلة المولد شيئاً زائداً على ما يفعلون في سائر الليالي، لأنَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنمَّا يُعظَّم بالوجه الذي شُرع في تعظيمه، وهم قد اختلفوا في تعيين ليلة ولادته، ولو شُرعت فيها عبادة لعيَّنها الصحابة وحقَّقوا.

[/ B] وقال الحفَّار ـ رحمه الله ـ: (الخير كلُّه في اتِّباع السلف الصالح الذين اختارهم الله، فما فعلوه فعلناه، وما تركوه تركناه، فإذا تقرَّر هذا ظهر أنَّ الاجتماع في تلك الليلة ليس بمطلوبٍ شرعاً بل يُؤمر بتركه، وقوع التَّحبيس عليه مما يَحمل على بقائه، واستمرار ما ليس له أصلٌ في الدين، فمحوه وإزالته مطلوبة شرعا.

ثم ها هنا أمر زائد في السؤال: أنَّ تلك الليلة تقام على طريقة الفقراء، وطريقة الفقراء في هذه الأوقات شنعة من شنع الدين، لأنَّ عُمدتهم في الاجتماع إنَّما هو الغناء والشطح، ويقرِّرون لعوامِّ المسلمين أنَّ ذلك من أعظم القُربات، وأنَّها طريقة أولياء الله، وهم قوم جهلة لا يُحسن أحدهم أحكام ما يجب عليه في يومه وليلته، بل هم ممَّن استخلفهم الشيطان على إضلال عوامِّ المسلمين؛ إذ يُزيِّنون لهم الباطل، ويضيفون إلى دين الله ما ليس منه، لأنّ الغناء والشطح من باب اللَّهو و اللَّعب، وهم يُضيفونه إلى أولياء الله، وهم يكذبون في ذلك عليهم ليتوصَّلوا بذلك إلى أكل أموال الناس بالباطل، فصار التَّحبيس عليهم ليُقيموا بذلك طريقتهم تحبيساً على ما لا يجوز تعاطيه؛ فيبطل ما حُبس في هذا الباب على هذه الطريقة. ويُستحب لابن هذا المحبِّس أن يصرف هذا الأصل من التوت على باب آخر من أبواب الخير الشرعيَّة، وإن لم يقدر على ذلك فينقله لنفسه) اهـ.

وقبل أن أضع القلم أنقل لك ـ أيُّها القارئ الكريم ـ كلمات نيِّرات لعلاّمة الجزائر في زمانه الشيخ السلفي عبد الحميد بن باديس الصنهاجي المالكي ـ رحمه الله ـ (ت1359هـ) في الحثِّ على الاتِّباع و التَّحذير من الابتداع، وحُقَّ لها أن تُكتب بماء الذهب و العيون لنفاستها.

قال ـ رحمه الله ـ أثناء ردِّه على شيخه العلاّمة محمد الطاهر بن عاشور في مسألة القراءة على الأموات (3/ 273 ـ آثاره): ( ... ولا يكون الإقدام على إحداث شيء للتقرُّب به مع ترك النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ له مع وجود سببه، إلاَّ افتياتاً عليه، وتشريعاً من بعده، وادعاءً ضِمنياًّ للتفوُّق عليه في معرفة ما يُتقرَّب به، والحرص عليه، والهداية إليه، فلن يكون فعل ما تركه ـ والحالة ما ذُكر ـ من المباحات أبداً، بل لا يكون إلاَّ من البدع المنكرات .. ).

وقال في نفس السياق (3/ 298): (إنَّ هذا الأصل وهو ما تركه النبيُّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مع قيام مُقتضيه فالدِّين تركُه، والزيادة عليه بدعة مذمومة مخالفة لمقصد الشارع، هو حجة المصلحين في ردِّ البدع على الغالين والمتزيِّدين .. ).

[ B] و قال ـ رحمه الله ـ في رسالته الموسومة بـ «جواب سؤال عن سوء مقال» (3/ 222 ـ آثاره): (اعلموا ـ جعلكم الله من وُعاة العلم، ورزقكم حلاوة الإدراك والفهم، وجمَّلكم بعزَّة الاتِّباع، وجنَّبكم ذلّة الابتداع ـ أنَّ الواجب على كلّ مسلمٍ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ؛ أن يَعتقد عَقْداً يتشرَّبه قبله، وتسكن له نفسه، وينشرِح له صدره، ويلهج به لسانه، وتنبني عليه أعماله؛ أنَّ دين الله ـ تعالى ـ من عقائد الإيمان، وقواعد الإسلام، وطرائق الإحسان، إنَّما هو في القرآن والسنَّة الصحيحة وعمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وأنَّ كلَّ ما خرج عن هذه الأصول، ولم يحظ لديها بالقَبول ـ قولاً كان أو عملاً أو عقداً أو احتمالاً ـ؛ فإنَّه باطلٌ من أصله، مردودٌ على صاحبه ـ كائناً من كان، في كلِّ زمان مكان.

فاحفظوها واعملوا بها تهتدوا وترشدوا إن شاء الله ـ تعالى ـ، فقد تظافرت عليها الأدلَّة من الكتاب والسنة وأقوال أساطين الملَّة، من علماء الأمصار أئمَّة الأقطار وشيوخ الزهد الأخيار، و هي لَعَمر الحقِّ لا يقبلها إلاّ أهل الدين والإيمان، ولا يردُّها إلاّ أهل الزَّيْغ والبُهتان، والله أسأل التوفيق لي لكم ولجميع المسلمين، والخاتمةَ الحسنة والمنزلةَ الكريمة في يوم الدين، آمين والحمد لله ربِّ العالمين) اهـ.

وبهذه النَّصيحة النَّافعة والوصيَّة الجامعة أختم المقال، وصلّى الله على رسولنا الكريم وعلى جميع الصَّحب الآل.

فريد المرادي (9 / ربيع الأول / 1426هـ).

(ثم راجعتُ المقال و صححته: ليلة 12 / ربيع الأول / 1429هـ).

=========

الهوامش:

[1] «المنظار في بيان كثير من الأخطاء الشائعة» لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (ص17ـ18).

[2] «فتاوى الإمام الشاطبي» (ص 203ـ204 / جمعها و حقَّقها و قدَّم لها: محمد أبو الأجفان)، وبنحوها في «المعيار المعرب» (7/ 102) و (9/ 252).

[3] المراد بهم الصوفية؛ فتنبه.

[4] كما في «فتاويه» (ص180ـ181).

[5] وعلى رأسهم العلاّمة العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ في كتابه «قواعد الأحكام» (2/ 172 - 173).

[6] لا يخفى عليك أن الشاطبي ـ غفر الله له ـ أشعري العقيدة في الجملة؛ راجع ـ فضلا ـ كتاب «الإمام الشاطبي: عقيدته وموقفه من البدع وأهلها» لعبد الرحمن آدم علي ـ رحمه الله ـ، وكتاب «الإعلام بمخالفات (الموافقات) و (الاعتصام)» للشيخ ناصر بن حمد الفهد ـ وفقه الله ـ.

[7] هو الليثي (ت203هـ) راوي موطأ الإمام مالك، ومفتي الأندلس في زمانه.

[8] أفادها المحقِّق في الحاشية، وبنحوها في «المعيار المعرب» (7/ 99 ـ101).

[/ FONT]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير