وقولهم: كما يتصور ذلك في العبادات يتصور في العادات مسلم وليس كلامنا في الجواز العقلي وإنما الكلام في الوقوع وفيه النزاع.
وأما ما احتجوا به من الأحاديث فليس فيها على المسألة دليل واحد إذ لم ينص على أنها بدع أو محدثات أو ما يشير إلى ذلك المعنى وأيضا إن عدوا كل محدث العادات بدعة فليعدوا جميع ما لم يكن فيهم من المآكل والمشارب والملابس والكلام والمسائل النازلة التي لا عهد بها في الزمان الأول بدعا وهذا شنيع فإن من العوائد ما تختلف بحسب الأزمان والأمكنة والإسم فيكون كل من خالف العرب الذين أدركوا الصحابة واعتادوا مثل عوائدهم غير متبعين لهم هذا من المستنكر جدا
نعم لا بد من المحافظة في العوائد المختلفة على الحدود الشرعية والقوانين الجارية على مقتضى الكلام والسنة
وأيضا فقد يكون التزام الزي الواحد والحالة الواحدة أو العادة الواحدة تعبا ومشقة لاختلاف الأخلاق والأزمنة والأحوال والشريعة تأبى التضييق والحرج فيما دل الشرع على جوازه ولم يكن ثم معارض
...............................
وأما كون تلك الأشياء بدعا فغير مفهوم على الطريقتين في حد البدعة فراجع النظر فيها تجده كذلك
والصواب في المسألة طريقة أخرى وهي تجمع شتات النظرين وتحقق المقصود في الطريقتين وهو الذي بني عليه ترجمة هذا الباب فلنفرده في فصل على حدته والله الموفق للصواب:
فصل أفعال المكلفين بحسب النظر الشرعي فيها على ضربين:
أفعال المكلفين ـ بحسب النظر الشرعي فيها ـ على ضربين: أحدهما: أن يكون من قبيل التعبدات والثاني: أن يكون من قبيل العادات.
فأما الأول: فلا نظر فيه ها هنا.
وأما الثاني: وهو العادي فظاهر النقل عن السلف الأولين أن المسألة تختلف فيها فمنهم من يرشدألأ كلامه إلى أن العاديات كالعباديات فكما أنا مأمورون في العبادات بأن لا نحدث فيها فكذلك العاديات وهو كلام محمد بن اسلم حيث كره في سنة العقيقة مخالة من قبله في أمر عادي وهو استعمال المناخل مع العلم بأنه معقول المعنى نظرا منه ـ والله أعلم ـ إلى أن الأمر باتباع الأولين على العموم غلب عليه جهة التعبد ويظهر أيضا من كلام من قال: أول ما أحدث الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم المناخل
ويحكى عن الربيع بن أبي راشد أنه قال: لولا أني أخاف من كان قبلي لكانت الجبانة مسكني إلى أن أموت والسكنى أمر عادي بلا إشكال
وعلى هذا الترتيب يكون قسم العاديات داخلا في قسم العباديات فدخول الابتداع فيه ظاهر والأكثرون على خلاف هذا وعليه نبني الكلام فنقول:
ثبت في الأصول الشرعية أنه لا بد في كل عادي من شائبة التعبد لأن ما لم يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه فهو المراد بالتعبدي وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي فالطهارات والصلوات والصيام والحج كلها تعبدي والبيع والنكاح والشراء والطلاق والإجارات والجنايات كلها عادي لأن أحكامها معقولة المعنى ولا بد فيها من التعبد إذ هي مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها كانت اقتضاء أو تخييرا فإن التخيير في التعبدات إلزام كما أن الاقتضاء إلزام ـ حسبما تقرر برهانه في كتاب الموافقات ـ وإذا كان كذلك فقد ظهر اشتراك القسمين في معنى التعبد فإن جاء الابتداع في الأمور العادية من ذلك الوجه صح دخوله في العاديات كالعباديات وإلا فلا.
..........
[تحرير محل التنازع وبيان انه لانزاع]:
فالحاصل أن أكثر الحوادث التي أخبر بها النبي صلى الله عليه و سلم من أنها تقع وتظهر وتنتشر أمور مبتدعة على مضاهاة التشريع لكن من جهة التعبد لا من جهة كونها عادية وهو الفرق بين المعصية التي هي بدعة والمعصية التي هي ليست ببدعة.
وأن العاديات من حيث هي عادية لا بدعة فيها ومن حيث يتعبد بها أو توضع وضع التعبد تدخلها البدعة وحصل بذلك اتفاق القولين وصار المذهبان مذهبا واحدا وبالله التوفيق "
انتهى بتصرف واختصار من كتاب الاعتصام
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[17 - 08 - 08, 12:20 م]ـ
فكان ماذا؟! (ابتسامة)
ـ[أبو السها]ــــــــ[17 - 08 - 08, 02:19 م]ـ
حفظكم الله ورعاكم، من قال من العلماء إن حمل الحقيبة النسائية بدعة؟، ولم يذكر الشيخ مقبل- رحمه الله- على أنها بدعة، بل قال إن كانت من هدي الكفار فإنه لا يجوز للمرأة حملها من هذا الوجه، فالمسألة-بارك الله فيكم- متعلقة بمسألة التشبه بالكفار، والتشبه يدخل في العبادات كما يدخل في العادات، ومن قال بخلاف ذلك لم يفهم أقوال السلف أو لم يحط بها علما، وقد أفاض شيخ الإسلام في هذه المسألة في كتابه الماتع (اقتضاء الصؤاط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم).