تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بل ما أكثر من يتعبد لله عز و جل بترك ما أوجب عليه فيتخلى وينقطع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قدرته عليه ويزعم أنه متقرب إلى الله تعالى بذلك مجتمع على ربه تارك ما لا يعنيه فهذا من أمقت الخلق إلى الله تعالى وأبغضهم إليه مع ظنه أنه قائم بحقائق الإيمان وشرائع الإسلام وأنه من خواص أوليائه وحزبه بل ما أكثر من يتعبد لله بما حرمه الله عليه ويعتقد أنه طاعة وقربة وحاله في ذلك شر من حال من يعتقد ذلك معصية وإثما كأصحاب السماع الشعري الذي يتقربون به إلى الله تعالى ويظنون أنهم من أولياء الرحمن وهم في الحقيقة من أولياء الشيطان

وما أكثر من يعتقد أنه هو المظلوم المحق من كل وجه ولا يكون الأمر كذلك بل يكون معه نوع من الحق ونوع من الباطل والظلم ومع خصمه نوع من الحق والعدل وحبك الشيء يعمي ويصم والإنسان مجبول على حب نفسه فهو لا يرى إلا محاسنها ومبغض لخصمه فهو لا يرى إلا مساويه بل قد يشتد به حبه لنفسه حتى يرى مساويها محاسن كما قال تعالى أفمن زينا له سوء عمله فرآه حسنا ويشتد به بغض خصمه حتى يرى محاسنه مساوىء كما قيل:

نظروا بعين عداوة ولو أنها ... عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا وهذا الجهل مقرون بالهوى والظلم غالبا فإن الإنسان ظلوم جهول

وأكثر ديانات الخلق إنما هي عادات أخذوها عن آبائهم وأسلافهم وقلدوهم فيها: في الإثبات والنفي والحب والبغض والموالاة والمعاداة والله سبحانه إنما ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه القائمين بدينه علما وعملا لم يضمن نصر الباطل ولو اعتقد صاحبه أنه محق وكذلك العزة والعلو إنما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وهو علم وعمل وحال قال تعالى: وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين فللعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان وقال تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين فله من العزة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه فإذا فاته حظ من العلو والعزة ففي مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان علما وعملا ظاهرا وباطنا وكذلك الدفع عن العبد هو بحسب إيمانه قال تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا فإذا ضعف الدفع عنه فهو من نقص إيمانه وكذلك الكفاية والحسب هي بقدر الإيمان قال تعالى: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين أي الله حسبك وحسب اتباعك أي كافيك وكافيهم فكفايته لهم بحسب اتباعهم لرسوله وانقيادهم له وطاعتهم له فما نقص من الإيمان عاد بنقصان ذلك كله ومذهب أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص

وكذلك ولاية الله تعالى لعبده هي بحسب إيمانه قال تعالى: والله ولي المؤمنين وقال الله تعالى: الله ولي الذين آمنوا وكذلك معيته الخاصة هي لأهل الإيمان كما قال تعالى: وإن الله لمع المؤمنين فإذا نقص الإيمان وضعف كان حظ العبد من ولاية الله له ومعيته الخاصة بقدر حظه من الإيمان

وكذلك النصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل قال تعالى إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد وقال: فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين

فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله أو بإدالة عدوعه عليه فإنما هي بذنوبه إما بترك واجب أو فعل محرم وهو من نقص إيمانه

وبهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ويجيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا في الآخرة ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا في الحجة

والتحقيق: أنها مثل هذه الآيات وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوا من طاعة الله تعالى فالمؤمن عزيز غالب مؤيد منصور مكفي مدفوع عنه بالذات أين كان ولو اجتمع عليه من بأقطارها إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته ظاهرا وباطنا وقد قال تعالى للمؤمنين: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين وقال تعالى: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير