يقول أحدهم عن " رمزه المناضل درويش ": " ومحمود درويش ظاهرة شعرية عربية فريدة .. تتأسس بصلابة قلَّ نظيرها لا لجهة القول الشعري المتفرد وحسب، وإنما لجهة محطات شعرية، تكونت عبر مواقف ومراحل اشتغل عليها الشاعر منذ أكثر من ثلاثين عاماً. ومنذ البدء لعب محمود درويش على متغيرات الراهن الإبداعي والسياسي فاستطاع بجدارة أن يؤسس مشروعاً شعرياً جديداً، إذ أضاف للقصيدة العربية التقليدية منها والحديثة شخصية جديدة على مدار الثلاثين سنة الماضية، يمكن تسميتها بقصيدة الملحمة الدرامية ذات الأجراس والخلاخيل والتي تعج بالألحان، تلك التي بدأت عنده في منتصف السبعينات مع قصيدة "تلك صورتها وهذا انتحار العاشق " لتبدأ بالتجسد والتأصيل مع " سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا " وتمتد مع " أحمد الزعتر " و بيروت " و "مديح الظل العالي " … الخ وتميزت بشحنة رومانسية عالية لجهة الصوغ مع ارتفاع نبرة النشيد عبر المقاربة ذات الظلال والأنوار على السواء ". دعاية كاذبة لشعر كاذب، وأدب مختلّ!
ولقد أثر هذا الاتجاه في واقعنا، حتى أصبح بيننا من يدّعي محاربة الحداثة، ولكنه في حقيقة أمره تابع لها ناشر لمذاهبها، أو يدّعي محاربة الغرب والعلمانية، ولكنه تابع للعلمانية فكراً وعاطفة سواء أدرك ذلك أم لم يدرك.
والأمر لم يقف عند محاضرة أو مقالة أو حوار، ولكنه واقع نشاهده في مظاهر وحقائق متعدّدة، نقلد فيها الغرب تقليد هوى وضياع. انظر إِلى ما شاع في العالم الإسلامي من رقص وغناء، وإباحية تحملها الصحف والمجلات والفضائيات، وكذلك الممارسة في الواقع. وحسبك مثلاً على ذلك التقليد الأعمى فيما نشاهده من موضوع " تأبين محمود درويش " وما رافقه من حشود انهمكت في مديحه، تجتاح الشوارع لتكريمه كأنه فاتح أعاد فلسطين! والمسلمون يغيبون في متاهات الذلة والهوان، وديارهم تتساقط واحدة بعد الأخرى، والتمزق يزداد .. .
الحياة في الإسلام حياة ممتدَّة لا تفنى إلا ما شاء الله: حياة في الدنيا، وحياة في الآخرة تمثّل الحياة الحقيقية الخالدة، يربط بينها " الموت ". الحياة الدنيا فترة تطول بميزان بعض الناس، وتقصر في ميزان الله، وتطول حين نقيسها بمقياسنا البشريّ في الحياة الدنيا، وتقصر حين يبيّنها الله لنا بميزانه الحق على أساس امتداد الكون كله، وتقصر حين نقيسها بشعورنا بعد البعث وعند السؤال، حين يختلف ميزان الإنسان في تقديره للحياة الدنيا، لفترة الموت، عن ميزان الله سبحانه وتعالى:
(قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ. قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ. قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون: 112ـ114]
ويبيّن الله سبحانه وتعالى الحقيقة الرئيسة بالنسبة للحياة الدنيا والموت في الآيات الجامعة من سورة الملك:
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: 1ـ2]
ومن هنا تبرز لنا الحقيقتان الأوليان الرئيستان: ألا وهما:
· إن الحياة الدنيا دار ابتلاء وتمحيص واختبار، للإنسان أجل مسمى، وللأمة أجل مسمّى، والحياة الدنيا كلها أجل مسمى.
· تنتهي الحياة الدنيا بالموت بعد أن ينتهي الأجل، وتقوم الحجّة للإنسان أو عليه يوم القيامة على ميزان حقّ:
(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47]
ثم تتوالى الآيات الكثيرة لتلحّ علينا بأن الدار الآخرة هي الحياة الحقيقيَّة الحياة الخالدة: في جنّة للمؤمنين، ونار للكافرين الظالمين والمجرمين، لتُبيِّنَ لنا الحقيقة الرئيسة الثالثة كما تعرضها لنا الآيتان من سورة الفجر وآيات أخرى:
(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى. يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) [الفجر:24،23]
¥