، ولا هي التي تحدِّد الحبَّ أو البغض، ولا هي التي ترسم العهود والمواثيق. ولم يعد التوحيد بصورته القرآنية هو الذي يحدِّد المواقف والاتجاهات، ولا هو الذي يرسم المناهج، فتعددت الاتجاهات واضطربت وتصادمت، وتمزّق المسلمون شيعاً وأحزاباً، تحكمهم العصبيات الجاهلية.
واستمع قوله سبحانه وتعالى:
(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105]
ويقول محمود درويش في قصيدته المزعومة: " رسالة من المنفى ".
فإذا احترقتُ على صليبِ عبادتي ** أصبحتُ قدّيساً بزيِّ مقاتل
في إحدى صور كفرياته وشركياته، ولكن الكثيريين لا يعلمون! وفي كلمته النثرية " رد فعل "، يردد اتِّجاهه ومذهبه في الحياة، ويصور لنا الحياة الدنيا صورة مادية بعيدة عن الله سبحانه وتعالى ـ، ويأتي الملايين يرددون هذه الكلمات الشيطانية ويمدحون قائلها ويجعلونه في مصاف الفاتحين لفلسطين، حيث يقول في كلام بعيد عن الشعر، بعيد عن البيان والبلاغة، كلام هابط معنى ومبنى:
ماذا جنينا نحنُ يا أماهْ؟
حتّى نموتَ مرّتين
فمرّةً نموتُ في الحياة
ومرةً نموتُ عندَ الموتْ
هل تعلمينَ ما الذي يملأني بكاء؟
هَبي مرضتُ ليلةً .. وهدَّ جسمي الداء
هل يذكرُ المساءْ
مهاجراً أتى هنا .. ولم يعدْ إلى الوطن؟
هل يذكر المساءْ
مهاجراً ماتَ بلا كفنْ؟
إنَّ الله سبحانه وتعالى قد هيَّأ للمسلمين كلَّ أسباب القوّة والعزّة، ولم يبق إلا أن تنهض الطاقة البشرية المؤمنة الصادقة، ليعلم الله في قلوبهم الصدق، فيهديهم بإيمانهم، ويفتح لهم أسباب القوّة، فيحسنون النهج والخطة ويحسنون الإعداد، فينزلون الميدان، فيُنزل الله نصره عليهم، وينجز وعده لعباده المؤمنين، السؤالُ إذن: أين هي الطاقة البشرية؟! أين النهج؟! وأين الإعداد الحقّ؟!
لقد اختلطت المصطلحات، واختلطت دلالاتها، وزاد الأمر سوءاً ما طرحته الحداثة والعلمانيّة ومذاهبهما من مصطلحات ومواقف غذّاها الإعلام كثيراً، وبخاصة الإعلام الغربي بأشكاله المتعددة ووسائله المتنوعة، حتى بدا كأنه طوفان!.
ظهرت مصطلحات: الأَصالة، المعاصرة، التقليد، التجديد، التطور، الحداثة، النمو، العلمانية، الاشتراكية، الديمقراطية، والعولمة، وغير ذلك من المصطلحات التي ظلّت " عائمة " لا تحمل معنى محدَّداً، أو تحمل معاني مختلفة، كل معنى يمثِّل طائفة، يدور بيْنها الصراع.
مع القرن التاسع عشر، أو قبل ذلك، أخذ هذا الغزو يشتدُّ، كأنه يمضي على نهج محدَّد وخطَّة مدروسة. ونشأت طائفة تدعو إلى تبعيّة كاملة للغرب: فكراً وسلوكاً وعادات، أدباً واقتصاداً وسياسة. وظهر ذلك في مرحلة كان المسلمون فيها ضعفاء، فأثر الغزو فيهم تأثيراً كبيراً، وظلّت المصطلحات تتردّد في تناقضاتها أو تغيب عائمة دون وضوح. واضطرب بذلك الميزان في أيدي الكثيرين.
العالم انطلق في أجواء الفضاء يشقُّها، ورمى بيننا ما يشغلنا عن حقيقة الإسلام ورسالته السامية. كلُّ الصراخ والدويّ من أجل اتباع الغرب وترك القديم أورثنا نماذج الملابس وقشور الفكر واضطراب الرؤية. والعجيب العجيب أننا لم نحرص على أن يكون التجديد هو إعداد القوة ونمو الصناعة وامتلاك أسبابها، حتى ظل العالم الإسلامي بصورته العامة واهياً متخلفاً لم تسعفه شعارات تحرير فلسطين، ولا أوهام شكل القصيدة، ولا ما يسمى بالشعر الحرّ، ولا شعر التفعيلة، ولا مساواة المرأة بالرجل، ولا شعارات الديمقراطية وغيرها، وإنما زادت الخلافات حول هذه القضايا، وبقى المسلمون في وهن وهزائم وخذلان، وتمزُّق قاتل! شُغِلوا بالخلافات وبما طرحه بينهم أعداؤهم!
أهل الحداثة اتّبعوا مذاهب الغرب العلمانيّ وحداثته، واعتبروا ذلك هو التجديد وهو ميزانه. اتبعوه في تبعيّة عمياء، حتى في ما يخالف الإسلام صراحة. وحاربوا كل قديم في أمتنا بنصوص صريحة، ومن بينها الدين واللغة! وأعلن بعضهم كلمة الكفر صريحة مدوّيّة. ولكنهم استثنوا من القديم كله أساطير اليونان وخرافاته التي ظلت تمثل محوراً في أدبهم وفكرهم، وفي الفكر الغربي العلماني.
¥