ولا مانع من أن نمنع الناس من تزويج النساء اللاتي دون البلوغ مطلقا، فها هو عمر – رضي الله عنه – منع من رجوع الرجل إلى امرأته إذا طلّقها ثلاثا في مجلس واحد، مع الرجوع لمن طلّق ثلاثا في مجلس واحد كان جائزا في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر وسنتين من خلافته، والراجح أنها واحدة.
ومنع من بيع أمهات الأولاد – فالمرأة السُّرِّيَّة عند سيدها إذا جامعها وأتت منه بولد صارت أم ولد – في عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، كانت تباع أم الولد، لكن لما رأى عمر أن الناس صاروا لا يخافون الله، ويفرِّقون بين المرأة وولدها، منع –رضي الله عنه – من بيع أمهات الأولاد.
وكذلك أيضا: أسقط الحد عن السارق في عام المجاعة العامة.
وأما قول ابن حزم: أن زواج النبي –صلى الله عليه وسلم – من عائشة هو من خصائصه –صلى الله عليه وسلم – فله وجه، ولكن الأصل عدم الخصوصية، ولكن يُرَشِّحُ هذا القول أن الرسول –صلى الله عليه وسلم – خُصَّ بأشياء كثيرة في باب النكاح اهـ.
وقال البخاري –رحمه الله تعالى-:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا).
قال العلامة العثيمين:
[تقدم لنا أن الرجل يجوز أن يزوّج ابنته الصغيرة إذا كانت بكرا، ومعلوم أن الصغيرة لا إذن لها، لأنها لم تبلغ، وهذا قول جمهور أهل العلم، واستدلوا بالحديث الذي ذكره المؤلف –رحمه الله -، وبعضهم حكى الإجماع على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بدون رضاها، لأنه ليس لها إذن معتبر، وهو أعلم بمصالحها، ولكن نقل الإجماع ليس بصحيح، فإنه قد حكى ابن حزم عن ابن شبرمة أنه لا يصح أن يزوج ابنته الصغيرة حتى تبلغ، وتأذن؛
وهذا عندي هو الأرجح، والاستدلال بقصة عائشة فيه نظر، ووجه النظر أن عائشة زُوِّجت بأفضل الخلق –صلى الله عليه وسلم- وأن عائشة ليست كغيرها من النساء، إذ أنها بالتأكيد سوف ترضى وليس عندها معارضة، ولهذا لمّا خُيرت –رضي الله عنها- حين قال لها النبي – صلى لله عليه وسلم -: (لا عليك أن تستأمري أبويك)؛ فقالت: إني أريد الله ورسوله، ولم ترد الدنيا ولا زينتها.
ثم إن القول بذلك في وقتنا الحاضر يؤدي إلى مفسدة كما أسلفنا سابقا، لأن بعض الناس يبيع بناته بيعا، فيقول للزوج: تعطيني كذا، وتعطي أمها كذا! وتعطي أخاها كذا!، وتعطي عمها كذا! ... إلى آخره.
وهي إذا كبرت فإذا هي قد زُوجت فماذا تصنع؟!!
وهذا القول الذي اختاره ابن شبرمة ولا سيما في وقتنا هذا، هو القول الراجح عندي، وأنه يُنتظر حتى تبلغ ثم تُستأذن.
فعائشة –رضي الله عنها – تزوجها الرسول –صلى الله عليه وسلم – وهي بنت ست سنين، يعني قبل أن تبلغ سنّ التمييز، وتوفي عنها بعد تسع سنين، حيث توفي الرسول –صلى الله عليه وسلم – في السنة الحادية عشرة من الهجرة فهذه تسع سنوات.
إذاً توفي عنها ولها ثماني عشرة سنة، ومع ذلك أدركت هذا العلم العظيم الذي ورثته الأمة من بعدها] اهـ.
و قال البخاري- رحمه الله تعالى –:
بابٌ لا يُنكِح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها.
قال العلامة ابن عثيمين:
[المؤلف –رحمه الله تعالى – يقول: (لا ينكح الأب وغيره البكرَ والثيب إلا برضاها)؛ وهذا الذي ذهب إليه البخاري –رحمه الله – هو الحق، من أنه لا يجوز للأب أن يزوج البكر إلا برضاها، ولا لغيره أن يزوج البكر إلا برضاها، والثيب من باب أولى، لأنها أملك لنفسها من غيرها.
ولكن يُسْتثنى من ذلك على رأي المؤلف ما سبق من قوله: " باب تزويج الرجل ولده الصغير أو ولده الصغار "؛ وسبق أن هذا رأي الجمهور، وهو أن البكر الصغيرة يزوجها أبوها بدون إذن، لأنه ليس لها إذن معتبر لصغرها، وعدم معرفتها للأمور، والأب أشفق من غيره فيزوجها بدون إذنها، بخلاف غيره، لا يزوجها حتى ولو أذنت، لأنها لا تعرف، ولكن أن القول الراجح أنها لا تُزوّج الصغيرة لا سيما في عصرنا هذا إلا بعد أن تبلغ وتَرْضى ................... (إلى أن قال العلامة العثيمين):
فإن قيل: عدم تزويج البكر قبل بلوغها لعدم علمها بأمور الزواج، فهل إن كانت تعلم هذه الأمور تُزوّج؟
نقول الظاهر أنها إذا عرفت النكاح، ومصالح النكاح يكْفي، لأن بعض العلماء حددوا بتسع سنين، لأن البنت عند تسع غالبا يأتيها الحيض، يعني: قد يأتيها الحيض، وقد تعرف مصالح النكاح، لا سيما في وقتنا هذا، فالنساء الآن بدأن يقرأن القرآن، ويعرفن حقوق الزوج، وما يجب له، وما يجب عليه، وصارت المرأة ولو كان لها اثنتا عشرة سنة أو شبهها تعرف مصالح النكاح، فإذا قُدر أن امرأة تعرف هذه الأمور معرفة جيدة، ولكنها لم تبلغ، واستُؤذنت فأذنت فلا بأس] اهـ.
والحمد لله رب العالمين.
¥