قال محمد بن نصر المروزي في بيان أفضلية ذلك: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما سئل عن صلاة الليل أجاب بأن صلاة الليل مثنى مثنى، فاخترنا ما اختار هو لأمته، وأجزنا فِعْلَ من اقتدى به ففعل مثل فعله، إذ لم يُرو عنه نَهيٌ عن ذلك، بل قد روي عنه أنه قال: «مَن شَاءَ فَليُوتِر بِخَمسٍ مون شاء فيوتر بثلاث، ومن شاء فيوتر بواحدة ... ».
وظاهر حديثها الأول أنه يصلي الأربع بتسليم واحد، لكنه ليس بصريح في ذلك، بل يحتمل أنه يصليها مفصولة، لقولها -كما تقدم-: «يُسلِّم من كل ركعتين».
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، وقد تكون الركعتان الزائدتان على الإحدى عشرة ما كان يفتتح به صلاة الليل كما في حديث زيد بن خالد رضي الله عنه الذي ساقه مسلم بعد هذا الحديث، أو سنة العشاء والله أعلم. وصح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر تميماً الداري و أبي بن كعب أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة وأما ما ورد أن الناس على عهد عمر رضي الله عنه كانوا يصلون ثلاثاً وعشرين، فهو ضعيف لا تقوم به حجة، لوجوه ليس هذا محلها ولا متمسك فيه لمن ينتصر لهذا العدد.
لكن من يفتي من أهل العلم بالثلاث والعشرين يستدل بما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صلاة الليل لم يحدد عدداً معيناً، مع أن المقام مقام بيان، وهذا الاستدلال لا بأس به، لكن الأفضل اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي داوم عليها، وعمل بها أصحابه من بعده، ومنهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أفهم منا لنصوص الشرع، وأكثر إدراكاً لمقاصده، فجمع الناس على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في تهجده وهو إحدى عشر ركعة، ووافقه الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، ولم يجتهد في استنباط ما زاد على هذا العدد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فالاستدلال على الإحدى عشرة بفعله صلى الله عليه وسلم أقوى من الاستدلال على الثلاث والعشرين بهذا الحديث أو غيره من العمومات.
لكن من زاد على إحدى عشرة ركعة فهو مأجور إن شاء الله حسب نيته وقصده، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً. يقول ابن عبد البر: (قد أجمع العلماء على أنه لا حدَّ ولا شيء مقدراً في صلاة الليل و أنها نافلة، فمن شاء أطال فيها القيام وقلّت ركعاته، ومن شاء أكثر الركوع والسجود).
ثالثاً: ينبغي للإمام في صلاة التراويح أن يُعنى بصلاته، فيصلي صلاة الخاشعين يرتل القراءة، ويطمئن في الركوع والسجود، ويحذر من العجلة لئلا يخلَّ بالطمأنينة، ويُتعبَ مَنْ خلفه من الضعفاء، وكبار السن، ونحوهم. يقول السائب بن يزيد: (أمر عمر بن الخطاب أُبي بن كعب و تميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين،حتى نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر).
رابعاً: على الإمام في دعاء القنوت في رمضان مراعاة ثلاثة أمور:
الأول: أن يحرص على الأدعية الواردة في الكتاب والسنة، وأن يجتنب السجع والتكلف، والدعاء المخترع، والتفاصيل الدقيقة التي تجعل الدعاء إلى الوعظ والترهيب أقرب، وإن دعا بما يناسب الأحوال العارضة كالاستغاثة وقت الجدب، أو الدعاء بنصرة المسلمين عند تسلط الأعداء فحسن.
الثاني: ألا يطيل في دعاء القنوت إطالة تشق على المأمومين تؤدي إلى فتورهم وتسبب شكواهم، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لمعاذ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - لما أطال في صلاة الفريضة (أفتان أنت يا معاذ؟) فكيف بالإطالة في دعاء القنوت، بل في أدعية مخترعة وأساليب مسجوعة؟!
الثالث: أن يدعو الإمام بصوته المعتاد، فإنه أقرب إلى الإخلاص والتضرع، وأعظم في الأدب والتعظيم، وأدل على إحساس الداعي بقربه من ربه، وعليه أن يبتعد عن كل ما ينافي الضراعة والابتهال، أو يدعو إلى الرياء والإعجاب وتكثير المصلين خلفه من التلحين والتطريب أو التمطيط أو تكلف البكاء ونحو ذلك مما ظهر على بعض الأئمة في هذا الزمان، والله المستعان.
¥