فإذن: نجد أن الشيء الشاق على النفوس تأتي فرضيته إذا كان واجباً أو منعه إذا كان محرماً بالتدرج وليس دفعة واحدة وهذا من مراعاة أحوال النفوس، وقد فرض الله- تعالى- الصيام على جميع الأمم قيل: إنه من زمن نوح والصيام مفروض على الأنبياء وعلى أممهم كما في قول الله- - عز وجل-: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ? [البقرة: 183] "كُتب" معناه: فُرض فهو مفروض على الأمم التي قبلنا لكن مع اختلاف في بعض الأمور وفي الكيفية.
الصيام له حكم عظيمة ومن أبرز حكمه ما ذكره الله - عز وجل- في قوله: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ?183?? [البقرة: 183] هذه أبرز الحِكَم: تحقيق التقوى لله - عز وجل- ولا شك أن الصيام من أعظم ما يعين المسلم على تحقيق التقوى لله –سبحانه- ولهذا نرى كثيراً من المسلمين في شهر رمضان يكثرون من الأعمال الصالحة ومن التطوعات ومن البذل ومن الصدقات ومن تلاوة القرآن ومن صلاة النافلة, نجد أن الصوم له أثر كبير على حياة المسلمين وهذه من أبرز حِكَم الصيام تحقيق التقوى لله - عز وجل-.
وهناك حِكَم كثيرة منها أيضاً: أن في الصوم فوائد صحية عظيمة ففيه فوائد للبدن وقد وجد في الوقت الحاضر الآن مدارس في الغرب للاستشفاء بالصيام وهذه موجودة الآن وهي مدارس معروفة ومشهورة ففيه فوائد صحية عظيمة والله- تعالى- لا يشرع شيئاً لعباده إلا وفيه حكمة- الحكم وغاية الحكم-.
أيضاً الصوم يعتبر مدرسة تربوية للمسلم, صيام شهر رمضان فيه تربية للمسلم حتى يتخرج من مدرسة الصوم وقد تربى على الأخلاق الفاضلة والأخلاق الحميدة وتخلص من كثير من العادات الذميمة وذلك أن الصوم ليس فقط إمساكاً عن الأكل والشرب والجماع فحسب ولكنه أيضاً إمساك عن جميع المحرمات ولهذا مَنْ أكثر مِنْ فعل المعاصي في شهر رمضان قد يفوته أجر الصيام كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (من لم يدعْ قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) [أخرجه البخاري في صحيحه].
ومعنى ذلك: أنه إذا أكثر من قول الزور والعمل به والجهل يعني: أكثر من المعاصي فقد يصل إلى مرحلة أنه لا يثاب ولا يؤجر على هذ الصيام فالمعاصي إذن تنقص من أجر الصائم مثلاً الغيبة تنقص من أجر الصائم, النميمة تنقص من أجر الصائم، النظر المحرم ينقص من أجر الصائم، السباب ينقص من أجر الصائم ... وهكذا, جميع المعاصي تنقص من أجر الصائم، فإذا أكثر منها الصائم فقد يصل إلى هذه المرحلة وهو أنه لا يؤجر ولا يثاب على هذا الصوم وهذا معنى قوله -عليه الصلاة و السلام-: (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
ولهذا فإن الصائم مطلوب منه مع إمساكه عن الأكل والشرب والمفطرات الحسية مطلوب منه كذلك أن يمسك جوارحه عن المعاصي, عن النظر المحرم, عن السماع المحرم, عن القول المحرم, عن جميع المعاصي؛ ولهذا كان كثير من السلف إذا صام جلسوا في المساجد وأقبلوا على تلاوة القرآن وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً حرصاً منهم ألا ينقص أجر صيامهم.
فإذا تربى الصائم في مدرسة الصوم خلال شهر رمضان على هذه المعاني وهو أنه يمسك عن جميع المحرمات خلال فترة صومه فإنه خلال ثلاثين يوماً يكون قد تخرج من مدرسة الصوم وقد حصل تهذيب لكثير من سلوكه ومن عاداته الذميمة.
والذين كتبوا في العادات وفي السلوك يقولون: إن أي عادة ذميمة يستطيع الإنسان أن يتخلص منها إذا تركها ثلاثة أسابيع على الأقل, ما بين ثلاثة أسابيع إلى شهر, وأية عادة حميدة يستطيع أن يرسخها إذا مارسها ثلاثة أسابيع إلى ثلاثين يوماً.
فنجد أن هذا متحقق في شهر الصيام, فالإنسان يتربى في شهر رمضان على البذل وعلى الإنفاق وعلى كثرة النوافل وعلى تلاوة القرآن وعلى كثير من أمور الطاعة, كذلك يتربى على الإمساك عن كثير من المعاصي, يحفظ بصره وسمعه وجوارحه عن المعاصي, فيتخرج من مدرسة الصوم في شهر رمضان وقد تهذبت كثير من أخلاقه، ولهذا فإن الذي تصوم جوارحه مع صيامه عن المفطرات الحسية ينتفع ويستفيد كثيراً من مدرسة الصيام.
¥