وأما إذا كان غائماً أو به قتر فإنه ليس هو يوم الشك، ولكن هذا محل نظر والصحيح أن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر لأنه حينئذ يحصل الشك للناس هل هلَّ هلال شهر رمضان أم لم يهل؟
أما إذا كان الجو ليلة الثلاثين من شعبان صحواً تراءى الناس الهلال فلم يروه لم يصبح عندهم شك إنما يكون عند الناس الشك إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر ولهذا فإن مؤدى هذا القول أنه يجب صيام يوم الشك.
قد اختلف العلماء في حكم صيام يوم الشك على أقوال فهذا القول الذي حكاه المؤلف يجب صوم يوم الشك.
والقول الثاني: يحرم صيام يوم الشك, يعني: عكسه تماماً قول بأنه يجب والقول الثاني بأنه يحرم.
وقال بعضهم: إنه يكره.
وقال بعضهم: إنه يجوز صومه ويجوز إفطاره, وهو منقول عن بعض السلف.
ولكن إذا تأملنا في النصوص الواردة نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تقدم صيام رمضان بيوم أو يومين احتياطاً لرمضان كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين (لا تقدموا رمضان بالصوم يوماً ولا يومين إلا رجلاً كان يصوم صومه فليصمه) [أخرجه البخاري ومسلم].
بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصيام إذا انتصف شهر شعبان تحقيقاً لهذا المعنى كما عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد بسند صحيح على شرط مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) قال عنه ابن القيم: إن إسناده على شرط مسلم.
وهذا الحديث على ظاهره قال شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-: هذا الحديث يحمل على من لم يكن من عادته الصيام قبل منتصف شعبان فأصبح يصوم بعد منتصف شعبان احتياطاً لرمضان, فنقول هذا لا يجوز.
بعض الناس قد يقول: أنا لا أدري عن كيفية حساب الأشهر أنا من منتصف شعبان أبدأ أصوم كل هذا احتياطاً لرمضان. نقول: إن هذا منهي عنه (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا).
وأيضاً صح عن عمار بن ياسر -رضي الله تعالى عنها- أنه قال: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-) فنجد أن هذه الأدلة كلها تدل على تحريم صيام يوم الشك فالأقرب من حيث الدليل هو تحريم صيام يوم الشك لأن الأصل في النهي أنه يقتضي التحريم ويؤيد ذلك الأثر المروي عن عمار: (فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-) والعصيان لا يكون إلا على ارتكاب أمر محرم.
ولهذا فإن القول الصحيح هو تحريم صيام يوم الشك إلا من كان من عادته الصيام كأن يوافق مثلاً الثلاثين من شعبان يوم اثنين أو خميس وهذا من عادته أنه يصوم يومي الاثنين والخميس فنقول: هذا لا بأس أن يصوم لأن صيامه ليس احتياطاً لرمضان وإنما للعادة التي كان عليها في الصيام.
إذن: حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة:
أولاً: القول الصحيح في تحديد يوم الشك أنه يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر.
ثانياً: أن العلماء اختلفوا في حكم صيام يوم الشك ما بين قائل بالوجوب وقائل بالتحريم وقائل بالكراهة وقائل بالجواز وأن الأقرب- والله تعالى أعلم- هو تحريم صيام يوم الشك.
بعد ذلك نقول: العبرة في رؤية الهلال بعد غروب الشمس من اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان, لابد من أن تكون رؤية الهلال بغد غروب الشمس وهذا باتفاق العلماء ولذلك لو أنه رأى الهلال قبل غروب الشمس ولو بدقيقة ثم لم يره بعد غروب الشمس فإنه لا تكون هذه رؤية صحيحة. إذن: لابد من أن تكون رؤية هلال رمضان بعد غروب شمس التاسع والعشرين من شهر شعبان وهذا هو الذي عليه العمل.
ولهذا في بعض السنوات بعض الشهود رأوا الهلال عصر يوم التاسع والعشرين لكنهم لم يروه أتى سحاب أو غيم فغم الهلال فلم يروه بعد غروب الشمس فلم تعتبر تلك الرؤية صحيحة.
إذن: الرؤية الصحيحة لابد أن تكون بعد غروب الشمس من يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان من الشهر الهلالي الهجري عموماً, لكن بالنسبة لدخول رمضان من التاسع والعشرين من شهر شعبان.
¥