هذان الحديثان الحقيقة هما المنشأ، أو العمدة التي اعتمد عليها بعض الفقهاء في قضية التفريق بين الماء القليل، والماء الكثير، وعندنا حديث آخر (إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث).
أما حديث (إن الماء طهور لا ينجسه شيء) فهذا حديث صحيح، وجاء في حديث آخر، الحديث الأول هذا حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء) والحديث الثاني: هو حديث أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه أو لونه أو طعمه).
الحديث الأول- كما قلت- حديث صحيح، صححه غالب الحفاظ، غالب المحققين من المحدثين.
الحديث الثاني: جزأه الأول وافق الحديث الأول، إنما الجزء الثاني هذا ضعيف قد ضعفه المحققون من المحدثين، وعلى هذا قالوا: إن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا إذا تغيرت رائحته، أو لونه، أو طعمه بريح، لا بهذا الحديث الضعيف، وإنما بالإجماع، قالوا: أجمع العلماء على أن الماء الكثير إذا تغير بنجاسة لونه أو طعمه أو ريحه فإنه ينجُس؛ لأن إطلاق الحديث و عموم الحديث يدل على أنه لا ينجسه شيء مطلقاً؛ لأنه قال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء، لكن الإجماع قام على أنه إذا تغيرت رائحة الماء بالنجاسة، أو تغير طعمه بالنجاسة، أو تغير لونه بالنجاسة، فإنه يعتبر نجاساً.
هناك سؤال: ماء طهور وتغير بالتراب؟ أو بالطين فما رأيك، هل هو طهور أو طاهر أم نجس؟
إنه طهور؛ لأن التراب لا يمكن أن نحجزه عن الماء
سؤال آخر-ونؤجل الجواب عن الأسئلة هذه كلها جميعاً- ماء تغير بالصابون، أنت تغسل الماء، ثم وضعت فيه صابون فتغير لونه أو رائحته، هل يعتبر هذا طاهر أم نجس؟
طهور أو طاهر أو نجس؟
في هذه الحالة يخرج عن تعريف الماء، فلا نطلق عليه ماء
لا يطلق عليه ماء، أنت تتوضأ بالماء، وتريد أن تغسل بالماء، ووضعت قليلاً من الصابون فيه إذا ما يمنعك؟
إذا اختلط بالماء فهو خرج من الماء
فيه أحد عنده إجابة ثانية؟
هو طهور يا شيخ؛ لأنه مطهر لغيره نفس الماء واختلط بالصابون
الواقع يا إخواني، جواباً على هذه الأسئلة، عندنا ماء الطهور قد يرد عليه أشياء، قد تغيره إلى مسمى آخر، وقد لا تغيره، وهذه الأشياء الواردة عليه قد تكون طاهرة، وقد تكون غير طاهرة مثلاً: الماء يتعرض لسقوط الأوراق فيه، يتعرض لنبات ينبت فيه، يتعرض لوجود الطحالب فيه، يتعرض لوجود التراب لما يجري الماء، تلاحظون الآن مياه الأمطار لما تجري السيول متغيرة بالتراب وبالطين، قد يتغير أيضاً بالعجين، قد تتغير بالجلود لما توضع في قرب، هذه الأشياء الطاهرة التي يتغير بها الماء ولا تنقله عن مسماه لا تؤثر فيه، فيعتبر باقيًا على طهوريته، ويعتبر ماءً طهوراً يجوز رفع الأحداث به وإزالة النجاسات به.
أيضاً قد يتغير بسبب التسخين، يسخن الماء سواء بالشمس، أو بالحطب، أو بالغاز، أو بالكهرباء أو غير ذلك، فما حكم هذا الماء المسخن، هل يجوز استخدامه أو لا؟
أنت الآن في الشتاء والجو بارد جداً، هل يكره أن تسخن الماء؟ لا، لا يكره الذي قيل إنه يكره المسخن بالشمس، قال بعض الفقهاء: إنه يكره وذكروا علة لذلك، قالوا: إنه يسبب البرص، ولكن الصحيح أنه لا يكره، وأن هذه العلة واهية وليست صحيحة، والحديث الوارد في ذلك حديث مردود، حديث لم يصح، الحديث الوارد في هذا هو حديث عائشة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال لها: (لا تفعلي فإنه يورث البرص) هذا حديث لا يصح؛ ولهذا فالصحيح أن الماء المسخن لا يؤثر فيه التسخين، قالوا: إلا إذا اشتد حره، فحينئذ يكرهون هذا؛ لأنه قد يصعب الوضوء به، فقد لا يتم الوضوء به، قد لا يحصل الإسباغ به، ومثل ذلك الماء البارد جداً الذي قد لا يتم الإسباغ به مع برودته الشديدة.
أما إذا ورد على الماء الطهور شيء، أو شيء غير مسماه إلى مسمى آخر فهذا سيأتي بحثه في الطاهر. تفضل.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى:- (وإن طبخ في الماء ما ليس بطهور، أو خالطه فغلب على اسمه، أو استعمل في رفع حدث سلب طهوريته، وإذا شك في طهارة له)
¥