تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4. أن عقد الاستصناع لو لم يكن لازماً؛ لابتعد الناس عنه؛ لكونه غير مضمون النتيجة، فالمستصنع قد يطلب من صانع عملاًُ ثم يفاجئ أن الصانع قد باع ما طلب منه، أو العكس فيعمل الصانع عملاً - وربما يكون مكلفاً - ثم يفاجئ بالمستصنع وقد رغب عن العين المصنوعة، فلا يجد الصانع من يشتريها، وإن وجد فإنه سيبيعها بأقل من تكلفتها، فتذهب ثمرة مشروعية الاستصناع، أو ربما يلجأ الناس إلى اشتراط اللزوم في الاستصناع عن التعاقد، فيصبح اللزوم شرطاً - لكن من جهة المتعاقدين -.

5. أن في عدم لزوم الاستصناع إثارة للنزاع بين الناس، وذلك لإلغاء أحد الطرفين العقد في أثنائه، وفي ذلك ضرر على الآخر، مما يثير النزاع والمخاصمات بين الطرفين، وهذا مما جاءت الشريعة بنفيه وسد بابه.

الترجيح:

يتضح مما سبق أن الراجح هو أن عقد الاستصناع عقد لازم بمجرد العقد؛ لما في ذلك من المصلحة بتحقق أهداف الاستصناع، وإزالة للضرر عن المتعاقدين.37

والله أعلم.

المبحث الثاني: حكم عقد الاستصناع:

اختلف الاستصناع في حكم عقد الاستصناع بين مبيح وحاظر، وقد كان هذا الاختلاف بسبب اختلافهم في تكييف عقد الاستصناع، حيث يرى جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة: أن الاستصناع ملحق بالسلم؛ فيشترط فيه ما يشترط في السلم، وأما الأحناف: فيرون أن الاستصناع عقد مستقل بذاته وله خصائصه وأحكامه.

ومن هذا المنطلق اختلف العلماء في حكم عقد الاستصناع كعقد مستقل بذاته إلى قولين:

* القول الأول: عدم جواز عقد الاستصناع إذا كان على غير وجه السلم.

وهو قول جمهور العلماء من الأحناف والمالكية والشافعية.

* القول الثاني: جواز عقد الاستصناع.

وهو قول الأحناف.

أدلة القول الأول:

1. ما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ.

وجه الدلالة: دل الحديث على عدم جواز بيع الكالئ بالكالئ38 - وهو الدين بالدين -، وفي عقد الاستصناع بيع دين بدين؛ لأن السلعة في ذمة الصانع والثمن في ذمة المستصنع، وقد أجمع العلماء على منعه.

وأجيب: بأن الحديث ضعيف، وسبب ضعفه: أن موسى بن عبيدة تفرد به عن نافع وهو ضعيف، قال أحمد: لا تحل الرواية عن موسى بن عبيدة، ولا أعلم هذا الحديث لغيره، وقد ضعفه الإمام الشافعي والبيهقي 39، وأما ادعاء الإجماع، فعلى فرض التسليم إلا أنه لا ينطبق على جميع الصور التي يشملها الدين بالدين، وقد اضطرب النقل في الصورة التي ينطبق عليها الإجماع، فلا يجوز حينها التمسك بالإجماع على عدم جواز الاستصناع لكونه دينا بدين.

2. أن الاستصناع بيع معدوم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرء عن بيع ما ليس عنده40.

وقد سبقت الإجابة على هذا 41.

3. وجود الجهالة في السلعة المستصنعة؛ لكونها قد تزيد وقد تنقص فيضر بأحد الطرفين.

وأجيب: أن ما يحتمل وجوده من الجهالة مغتفر إذا كان يسيراً، كما في السلم، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره42، مع أن مقدار الحجامة وكمية الدم المستخرج غير معروفة عند التعاقد.

أدلة القول الثاني:

1. ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي ? اصطنع خاتما من ذهب وجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه فاصطنع الناس خواتيم من ذهب فرقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال إني كنت اصطنعته وإني لا ألبسه فنبذه فنبذ الناس ... "43 الحديث.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استصنع خاتماً من ذهب، ففيه مشروعية الاستصناع، وأما إلقاؤه له فلأنه كان من الذهب وقد حُرّم على الرجال التزين به، بدليل أنه اتخذ بعد ذلك خاتماً من فضة44.

2. ما ثبت في الصحيحين من حديث سهل قال: أرسل رسول الله ? إلى فلانة - امرأة قد سماها سهل -:مري غلامك النجار أن يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة ثم جاء بها فأرسلت إلى رسول الله ? فأمر بها فوضعت ها هنا ... "45 الحديث.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من المرأة أن تأمر غلامها بصنع المنبر، فدل على مشروعيته ونوقش: باحتمال أن يكون صناعته على سبيل التبرع لا على سبيل التعاقد.

3. التعامل من غير نكير على مر العصور في المباني والأحذية والأثاث ونحوها، وهو يتضمن إجماعاً عملياً.

ونوقش: بعدم التسليم للإجماع، بدليل مخالفة جمهور العلماء للقول بمشروعية الاستصناع.

4. ومن المعقول: فإن حاجة الناس إلى الاستصناع كبيرة 46، وفي الشرع مراعاة لحاجات الناس بل هو من مقاصده؛ لما في ذلك من التيسير عليهم والرفق بهم، كما في التيمم والمسح على الخفين وعقد السلم وغير ذلك، فجاز الاستصناع استحساناً.

ونوقش: بأن الحاجة تندف بما أباحه الله من العقود، كالسلم.

وأجيب: بأن الحاجة إلى الاستصناع كبيرة، وقد سبق بيان شيء من ذلك، وفي ترك ضرر بالمسلمين، فليس كل ما يباع جاهزاً مناسب، بل ليس كل ما يحتاجه المرء يجده جاهزاً، خاصة وأن الباعة لا يصنعون ما يقل شراؤه؛ لما في ذلك من الخسارة بكساد البضاعة وعدم وجود مشترٍ لها، فيحتاج الناس إلى من يصنع ما يحتاجونه حال طلبهم وبالصفة التي يريدونها، وهذا هو الاستصناع، أما السلم فلا يكفي للوفاء بحاجة المجتمع لكونه يشترط لصحته تعجيل الثمن ولا يصح فيه اشتراط الصانع.

يقول الكاساني عنه: " فيه معنى عقدين جائزين وهو السلم والإجارة لأن السلم عقد على مبيع في الذمة واستئجار الصناع يشترط فيه العمل وما اشتمل على معنى عقدين جائزين كان جائزا "47.

الترجيح:

الراجح هو القول بجواز عقد الاستصناع، لما يأتي:

1. قوة أدلة أصحاب القول الثاني.

2. أن الحاجة داعية للاستصناع، وفي منعه من إلحاق الحرج بالناس ما لا يخفى.

3. ضعف أدلة المانعين بما ورد من مناقشتها.

وقد رجح القول بجوازه المجمع الفقهي الإسلامي الدولي في مؤتمره السابع المنعقد بجدة لعام 1412 هـ.48

والله أعلم

بحث في عقد الإستصناع ( http://http://islamport.com/w/fqh/Web/4455/17.htm)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير