اللَّه رَفِيقِي، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْر: اِبْعَثْ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: اِذْهَبْ، فَقُلْت أَخْشَى أَنْ أُؤْسَرَ، قَالَ: إِنَّك لَنْ تُؤْسَرَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ اِنْطَلَقَ، وَأَنَّهُمْ تَجَادَلُوا، وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الرِّيحَ فَمَا تَرَكَتْ لَهُمْ بِنَاء إِلَّا هَدَمَتْهُ وَلَا إِنَاء إِلَّا أَكْفَأَتْهُ " وَمِنْ طَرِيق عَمْرو بْن سَرِيع بْن حُذَيْفَة نَحْوُهُ وَفِيهِ: " إِنَّ عَلْقَمَةَ بْن عُلَاثَة صَارَ يَقُول: يَا آلَ عَامِرٍ، إِنَّ الرِّيحَ قَاتِلَتِي وَتَحَمَّلَتْ قُرَيْش وَإِنَّ الرِّيحَ لَتَغْلِبُهُمْ عَلَى بَعْضِ أَمْتِعَتِهِمْ " وَرَوَى الْحَاكِم مِنْ طَرِيق عَبْد الْعَزِيز اِبْن أَخِي حُذَيْفَة عَنْ أَبِي حُذَيْفَة قَالَ: " لَقَدْ رَأَيْتنَا لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ فَوْقِنَا، وَقُرَيْظَةُ أَسْفَلَ مِنَّا نَخَافُهُمْ عَلَى ذَرَارِيِّنَا، وَمَا أَتَتْ عَلَيْنَا أَشَدُّ ظُلْمَةً وَلَا رِيحًا مِنْهَا، فَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَأْذِنُونَ وَيَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَاثٍ عَلَى رُكْبَتَيّ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا ثَلَاثُمِائَة فَقَالَ: اِذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، قَالَ: فَدَعَا لِي فَأَذْهَب اللَّهُ عَنِّي الْقَرَّ وَالْفَزَعَ، فَدَخَلْت عَسْكَرَهُمْ فَإِذَا الرِّيحُ فِيهِ لَا تُجَاوِزُهُ شِبْرًا، فَلَمَّا رَجَعْت رَأَيْت فَوَارِسَ فِي طَرِيقِي فَقَالُوا: أَخْبِرْ صَاحِبَك أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَفَاهُ الْقَوْمَ " وَأَصْل هَذَا الْحَدِيث عِنْد مُسْلِم بِاخْتِصَارٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيه شَيْء يَتَعَلَّق بِحَدِيثِ عَائِشَةَ.
وورد في صحيح البخاري:
3802 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَلَأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ.
3803 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَنَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ.
* وهناك أمر أريد الإشارة إليه أحسبه لطيف، وهو:
أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى أخرج الحديث السابق مع حديث معه تحت باب واحد كالتالي:
بَاب كِتَابَةِ الْإِمَامِ النَّاسَ
2832 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ مِنْ النَّاسِ فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةِ رَجُلٍ فَقُلْنَا نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَحْدَهُ وَهُوَ خَائِفٌ
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَ مِائَةٍ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ مَا بَيْنَ سِتِّ مِائَةٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةٍ.
2833 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ قَالَ ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ.
والأمر اللطيف الذي أريد الإشارة إليه هو:
أن الأمام البخاري وضع هذا الباب في كتاب الجهاد، والأحاديث السابقة تحت باب كتابة الإمام الناس، وواضح أن مقصد الإمام البخاري الكتابة قبل الغزو أو الجهاد، أليس كذلك؟
وإذا قلنا نعم،
فالحديث الأول يخص نوعا من أنواع الجهاد وهو جهاد الدفع،
والحديث الثاني يخص جهاد الطلب.
والفرق في الكتابة واضح، فالكتابة في الحديث الأول تشعر بأن الذين يخاف منهم هنا هم المنافقين، لاحظوا:
" اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس "، فمن يمكن أن يكون أخطر من المنافقين في جهاد الدفع!
أما جهاد الطلب فالأمر يختلف.
هذا والله أعلى و أعلم وأحكم.
¥