قال الحافظ: قاله العباس بن سريج من الشافعية، ومطرف بن عبد الله من التابعين، وقتيبة من المحدثين. نقله الحافظ عنهم، وذكر أن ابن عبد البر لم يعبأ بقولهم، ثم قال: ونقل ابن العربي عن ابن سريج أن قوله صلى الله عليه وسلم: (فاقدروا له) خطاب لمن خصه الله بهذا العلم، وأن قوله: (فأكملوا العدة) خطاب للعامة، فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال، يجب على قوم بحساب الشمس والقمر، وعلى آخرين بحساب العدد، قال: وهذا بعيد عن النبلاء ا هـ.
وأقول: إنه يمكن حمل اختلاف الحالين على اختلاف الأوقات، فإذا وجد الحاسبون عمل بقولهم؛ لأنه علم يقيني قطعي، وإن لم يوجدوا أكملت عدة الشهر ثلاثين بشرطه؛ إذ لا يمكن الاتفاق على غيره.
ومثل ما ذكر - من الاستدلال على منع العمل بالحساب بأنه لا يفيد علمًا ولا ظنًّا غالبًا - ما ذكره الحافظ عن ابن بطال، قال في شرحه للحديث المذكور: في الحديث رفع لمراعاة النجوم بقانون التعديل، وإنما المعول عليه رؤية الأهلة، وقد نهينا عن التكلف، ولا ريب أن ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون غاية التكلف. ا هـ. من الفتح. وهو رد لا يرد على الحساب الذي نقول به؛ لأن هذا لا تكلف فيه ولا غموض، وهو يدرك باليقين لا بالظنون، بل أقول: إن حساب التعديل الذي أشار إليه صحيح في نفسه، وإنما التكلف في حفظ قواعده، والنظر في الزيج والإصطرلاب، وقد استغني عن ذلك في هذا الزمان.
وقد اختلف فقهاء الشافعية في العمل بالحساب على أقوال:
(1) يجوز ولا يجزئ عن الفرض.
(2) يجوز ويجزئ.
(3) يجوز للحاسب ويجزئه لا للمنجم.
(4) يجوز لهما ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم.
(5) يجوز لهما ولغيرهما مطلقاً.
ذكر هذه الأقوال الحافظ في الفتح، وقال بعدها: وقال الصباغ: (أما بالحساب فلا يلزمه بلا خلاف بين أصحابنا).
(قلت): ونقل ابن المنذر قبله الإجماع على ذلك، فقال في (الأشراف):
(صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة، وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته). هكذا أطلق، ولم يفصل بين حاسب وغيره، فمن فرق بينهم كان محجوجًا بالإجماع قبله ا هـ.
وظاهر هذا القول الذي اعتمد عليه الحافظ في الإجماع، بل نص منطوقه أنه لا يجوز إكمال عدة شعبان ثلاثين في حال الصحو مطلقًا، ولا يعتد بقول أحد يجيزه كائنًا من كان؛ لأنه محجوج بالإجماع قبله، فإثبات رمضان هذا العام في هذا اليوم (الجمعة) مخالف للإجماع، فهو باطل، ويجب إبطال هذا النوع من إثباته.
وأما الحساب فيظهر أنه لم يكن في عهد السلف، الذين أجمعوا على ما ذكر، قد وصل إلى الدرجة المعهودة عندنا في هذا العصر من العلم اليقيني، والصورة التي أجمعوا عليها لا يمكن أن تخالف الحساب، أعني أنه لا يمكن أن لا يرى الهلال في مساء اليوم الذي يثبت الفلكيون الحاسبون إمكان رؤيته فيه عند انتفاء المانع، فهم يبينون وقت ولادة الهلال - أي: مفارقته للشمس - في آخر الشهر بالساعات والدقائق، ومنه يعلم إمكان رؤيته لمعتدلي البصر وعدم إمكانها، فإذا كان من الدقة بحيث لا يرى لا يثبتون الشهر الشرعي بولادته، وإذا كان بحيث يرى قطعًا عند انتفاء المانع من غيم أو قر يثبتون الشهر، فهنا يقال: إن الشهر قد ثبت برؤية الهلال حقيقة أو حكمًا، وذلك أنهم إذا تراءوه رأوه قطعًا، فلا يكون إثبات وجوب الصيام بقول الفلكيين الحاسبين بل بوجود الهلال، وإنما هم يبينون للناس متى يرى، وقد ظهر باختبار السنين صدقهم لكل من يرى تقاويمهم، ونحن في أشد الحاجة إلى علمهم في حال وجود المانع من رؤية الهلال؛ لأنه علم يقيني كرؤية الهلال، وإكمال عدة الشهر كثيرًا ما تكون خطأ كما تقدم بيانه، وهي تبنى في كل شهر على رؤية هلاله، وإلا كانت مسألة حسابية، وقد تمر في بعض الأقطار التي تكثر فيها الأمطار عدة أشهر لا يرى فيها هلال، فكيف يمكن العمل فيها بإكمال عدة الشهر ثلاثين؟! ومن المعلوم حسابًا وشرعًا أن الشهر يكون تارة 30 وتارة 29.
إذا تمهد هذا فنحن نلخص الكلام في هذا الموضوع في مسائل:
¥