تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [سورة يس: 39]، وقال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [سورة الرحمن: 5]، أي هما ذوا حساب فلا ينخرم ذلك أبدا، وكذلك الفصول الأربعة لا ينخرم حسابها، والعوائد إذا استمرت أفادت القطع كما إذا رأينا شيخا نجزم بأنه لم يولد كذلك بل طفلا لأجل عادة الله تعالى بذلك وإلا فالعقل يجوز ولادته كذلك، والقطع الحاصل فيه إنما هو لأجل العادة، وإذا حصل القطع بالحساب ينبغي أن يعتمد عليه كأوقات الصلوات فإنه لا غاية بعد حصول القطع".

فانظر كيف يقرر دليل المخالف، وانظر أيضا كيف يحكم بقطعية الحسابات الفلكية في زمنه وكيف ينظر إليها لا كما يدعيه أهل ذلك الزمان عنهم.

ولنكمل مع الإمام فيقول والفرق ـ أي بين العمل بالحسابات في مواقيت الصلوات وعدم العمل بها في الأهلة ـ وهو المطلوب هاهنا وهو عمدة السلف والخلف أن الله تعالى نصب زوال الشمس سبب وجوب الظهر. وكذلك بقية الأوقات لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [سورة الإسراء: 78] أي لأجله، وكذلك قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [سورة الروم: 17 - 18]، قال المفسرون هذا خبر معناه الأمر بالصلوات الخمس في هذه الأوقات حين تمسون المغرب والعشاء وحين تصبحون الصبح وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر والصلاة تسمى سبحة، ومنه سبحة الضحى أي صلاتها فالآية أمر بإيقاع هذه الصلوات في هذه الأوقات وغير ذلك من الكتاب والسنة الدال على أن نفس الوقت سبب فمن علم السبب بأي طريق كان لزمه حكمه، فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات.

وأما الأهلة فلم ينصب صاحب الشرع خروجها من الشعاع سببا للصوم بل رؤية الهلال خارجا من شعاع الشمس هو السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم، ويدل على أن صاحب الشرع لم ينصب نفس خروج الهلال عن شعاع الشمس سببا للصوم قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» [رواه البخاري]، ولم يقل لخروجه عن شعاع الشمس، كما قال تعالى: COLOR="red"]{ أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [/ color] [ سورة الإسراء: 78]، ثم قال: «فإن غم عليكم» [رواه البخاري]، أي خفيت عليكم رؤيته «فاقدروا له» [رواه البخاري]، في رواية: «فأكملوا العدة ثلاثين» [رواه البخاري]، فنصب رؤية الهلال أو إكمال العدة ثلاثين، ولم يتعرض لخروج الهلال عن الشعاع.

ثم يقول: "فلأجل هذا الفرق قال الفقهاء رحمهم الله تعالى: إن كان هذا الحساب غير منضبط فلا عبرة به، وإن كان منضبطا لكنه لم ينصبه صاحب الشرع سببا فلم يجب به صوم والحق من ترديد الفقهاء رحمهم الله هو القسم الثاني دون الأول".

أقول: وما ذكره الفقهاء إنما هو من باب التقسيم، وأما كون أن الحساب أمر منضبط الدقة فهذا معلوم ولكنه ليس معصوما من الخلل والخطأ كما يصوره القائلين به كما سنبينه فيما بعد.

الأمر الثاني:

فإما الإجمال الذي في قوله صلى الله عليه وسلم «فاقدروا له» [رواه البخاري]، فهو سبب اختلافهم في معنى التقدير له هل معناه هو أن يصبح المرء صائما وهو مذهب ابن عمر، أم عده بالحساب، أم إكمال الشهر ثلاثين يوما وهو مذهب جمهور أهل العلم في جميع الأزمنة، وقد دلت عليه سائر الأحاديث ومنها حديث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا قال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له» [رواه البخاري]، فقد رواه عن ابن عمر نافع، وعبد الله بن دينار، وسالم بن عبد الله، ومحمد بن زيد.

فأما نافع فرواه عنه أيوب وعبيد الله بن عمر بلفظ: «فاقدروا له ثلاثين يوما». ورواه عنه عبد العزيز بن أبي رواد: «فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين» أخرجها عبد الرزاق (4/ 156)، وهذا مفسر.

ورواه مالك عنه (أي عن نافع) بلفظ: «فاقدروا له» أخرجه البخاري (1906) ومسلم في الصيام (1080/ 3).

وأما رواية عبد الله بن دينار فرواه عنه إسماعيل بن جعفر، ومالك بلفظ: «فاقدروا له» مجملا؛ وللشافعي عن مالك بلفظ: «فأكملوا العدة ثلاثين» وكذا أخرجه البخاري في الصحيح عن القعنبي عن مالك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير