ومعنى ذلك: أنه إذا أكثر من قول الزور والعمل به والجهل يعني: أكثر من المعاصي فقد يصل إلى مرحلة أنه لا يثاب ولا يؤجر على هذ الصيام فالمعاصي إذن تنقص من أجر الصائم مثلاً الغيبة تنقص من أجر الصائم, النميمة تنقص من أجر الصائم، النظر المحرم ينقص من أجر الصائم، السباب ينقص من أجر الصائم ... وهكذا, جميع المعاصي تنقص من أجر الصائم، فإذا أكثر منها الصائم فقد يصل إلى هذه المرحلة وهو أنه لا يؤجر ولا يثاب على هذا الصوم وهذا معنى قوله -عليه الصلاة و السلام-: (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
ولهذا فإن الصائم مطلوب منه مع إمساكه عن الأكل والشرب والمفطرات الحسية مطلوب منه كذلك أن يمسك جوارحه عن المعاصي, عن النظر المحرم, عن السماع المحرم, عن القول المحرم, عن جميع المعاصي؛ ولهذا كان كثير من السلف إذا صام جلسوا في المساجد وأقبلوا على تلاوة القرآن وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً حرصاً منهم ألا ينقص أجر صيامهم.
فإذا تربى الصائم في مدرسة الصوم خلال شهر رمضان على هذه المعاني وهو أنه يمسك عن جميع المحرمات خلال فترة صومه فإنه خلال ثلاثين يوماً يكون قد تخرج من مدرسة الصوم وقد حصل تهذيب لكثير من سلوكه ومن عاداته الذميمة.
والذين كتبوا في العادات وفي السلوك يقولون: إن أي عادة ذميمة يستطيع الإنسان أن يتخلص منها إذا تركها ثلاثة أسابيع على الأقل, ما بين ثلاثة أسابيع إلى شهر, وأية عادة حميدة يستطيع أن يرسخها إذا مارسها ثلاثة أسابيع إلى ثلاثين يوماً.
فنجد أن هذا متحقق في شهر الصيام, فالإنسان يتربى في شهر رمضان على البذل وعلى الإنفاق وعلى كثرة النوافل وعلى تلاوة القرآن وعلى كثير من أمور الطاعة, كذلك يتربى على الإمساك عن كثير من المعاصي, يحفظ بصره وسمعه وجوارحه عن المعاصي, فيتخرج من مدرسة الصوم في شهر رمضان وقد تهذبت كثير من أخلاقه، ولهذا فإن الذي تصوم جوارحه مع صيامه عن المفطرات الحسية ينتفع ويستفيد كثيراً من مدرسة الصيام.
هذا وجه من وجوه الحكمة في مشروعية صيام شهر رمضان. والحِكَم في هذا كثيرة ولا نستطيع الإحاطة بها ويكفينا أن نعرف أن حكم الله- تعالى- هو حكمة الحكم وهو غاية الحكم.
ولكن قبل أن نتجاوز هذه النقطة- من أكثر من المعاصي وقلنا: إنه لا يؤجر ولا يثاب على هذا الصوم- هل تبرأ ذمته بهذا الصوم أم لا تبرأ؟ شخص مثلاً وقع في معاصٍ وأكثر منها وقلنا له: إنك على خطر ألا يقبل منك هذا الصوم وألا تؤجر ولا تثاب على هذا الصوم لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) لكن هل تبرأ ذمته بهذا الصوم أم أنه يصبح كأنه لم يَصُمْ؟
لا تبرأ ذمته
فهل يؤمر بقضاء؟
إذا فاته الصوم يؤمر بالقضاء
يعني: هذا إنسان أكثر من المعاصي, افترضْ: أكثر مثلاً من الغيبة, أكثر من السباب, أكثر من النظر المحرم, وقلنا له: إنك على خطر ألا يقبل الله صومك وأن يفوت أجر الصيام لهذا الحديث الصحيح (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فهو يسأل, يقول: هل تبرأ ذمتي بهذا الصوم أم أنني أؤمر بقضائه؟ نستمع جواباً آخر.
صيامه جائز, لكنه يأثم مع ذلك
تبرأ ذمته, لكن ليس له أجر، هو يأثم على فعل المعصية لكونها معصية, لكن ذمته تبرأ بهذا الصوم، لأنه قد تحققت شروط الصيام وأركانه ولم يقع في مفطر من المفطرات الحسية, لم يأكل, لم يشرب, لم يحصل منه جماع, وهكذا سائر المفطرات.
فإذن: ذمته تبرأ عند الله - عز وجل- لكنه لا يؤجر ولا يثاب ولذلك لاحظ الحديث (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) أي: أنه لا يؤجر ولا يثاب وهذا له نظير بالنسبة للصلاة: من صلى صلاة لم يخشع فيها, من حين أن كبَّر إلى أن سلَّم وهو في هواجس ووساوس, لم يعقل منها شيئاً فهذا صلاته صحيحة, يعني: تبرأ بها الذمة لأنها تحققت فيها الأركان والشروط والواجبات ولكن ليس له من الأجر إلا بمقدار ما عقل منها, كما جاء في الحديث: (إن أحدكم ليصلي وما يكتب له من صلاته إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها حتى قال: إلا عشره).
فإذن: ليس له من أجر صلاته إلا بمقدار ما عقل منها أما من جهة براءة الذمة فتبرأ ذمته ولو كان في هواجيس ووساوس من أول الصلاة إلى آخرها وهذا المعنى قرره كثير من المحققين من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
فإذن: من أتى بالعبادة بصورتها الصحيحة مكتملة الأركان والشروط والواجبات فتقع بها براءة الذمة، ومسألة القبول: هذه مسألة أخرى مسألة القبول والأجر والثواب مسألة أخرى ففي الصلاة مثلاً ليس له من أجر الصلاة إلا بمقدار ما عقل منها.
في الصيام إن أمسك عن المحرمات وصامت جوارحه عن المحرمات فإنه يؤجر ويثاب على هذا الصيام، إن لم يحترم الصوم وأكثر من المعاصي فقد يصل إلى مرحلة أنه لا يؤجر ولا يثاب على هذا الصوم أي أن الله- تعالى- (يدع طعامه وشرابه) كما ورد ذلك في الحديث الصحيح، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
نعود بعد ذلك إلى عبارة المؤلف -رحمه الله تعالى- قال: (يجب صيام رمضان) وهذا بإجماع العلماء ومن جحد وجوب صيام رمضان فإنه يكون كافراً بإجماع المسلمين.
(على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم) أفادنا المؤلف بهذه العبارة
شروط صحة الصوم: نريد أن نستنبط هذه الشروط من عبارة المؤلف، من يستنبطها لنا الشرط الأول؟
الإسلام
أخذناه من قوله: (على كل مسلم).
الشرط الثاني؟
البلوغ
البلوغ أخذناه من قوله: (بالغ).
الشرط الثالث؟
العقل
أخذناه من قوله: (بالغ عاقل).
الرابع: نأخذها من قول المؤلف؟
القدرة على الصوم
أخذناه من قوله: (قادر على الصوم).
فإذن: استفدنا من عبارة المؤلف هذه: شروط وجوب الصوم فإذن شروط وجوب الصوم هي: الإسلام,, والبلوغ,, والعقل,, والقدرة. هذه هي شروط وجوب الصوم: