فإذا علم ما تقدم من نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم، فإنه يتضح بذلك عدم مشروعية استعمال هذه المكبرات في غير الأذان ([5]). ولا أظن أن قائلاً يصر بعد التأصيل والنظر فيما نقلت من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وأقوال أهل العلم على القول باستحباب مثل هذه المكبرات الصوتية لغير الأذان. والله أعلم.
شبهة القائلين باستحباب أو جواز هذه المكبرات حتى في غير الأذان، والرد عليها:
يمكن إجمالاً حصر شبه المستحبين أو المجيزين في الأمور التالية:
1 - تعليم النساء اللواتي في البيوت وغيرهن من أصحاب الأعذار القرآن الكريم والأحكام والمواعظ.
2 - حصول الأجر من سماع القرآن الكريم.
3 - اهتداء الغريب عن الحي إلى مكان المسجد.
4 - إعانة الناس على إدراك الصلاة جماعة في المسجد.
5 - إعطاء روحانية وبعداً نفسياً للمستمعين خارج المسجد وخاصة خلال صلاة التراويح والقيام.
هذا إجمالاً ما أورده القائلون باستحباب أو جواز هذه المكبرات الخارجية.
الرد:
على فرض أن هذه مصالح معتبرة – وإن كنت لا أسلم ببعضها – فإن كثيراً من الناس يعتقد أن في بعض الأمور مصلحة راجحة، والأمر ليس كذلك، ثم على القول بأنها مصالح، فإن لدينا قاعدة فقهية معروفة، وهي: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، وهذه قاعدة عظيمة وأصل عظيم من أصول الشريعة، يشهد له مثل قوله U ] يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما [(البقرة 219) فمع أنه سبحانه ذكر أن فيهما منافع للناس، لكنه U حرَّمهما معلِّلاً ذلك بأن مضرتهما أكبر من نفعهما، والشريعة الإسلامية لم تهمل مصلحة راجحة قط، وقد قال U ] وما كان ربك نسيّا [.
ثم إن هذه المصالح يمكن الاستغناء عنها بما هو خير وأكبر نفعاً، فمثلاً النساء وغيرهن ممن هم في البيوت من أصحاب الأعذار يمكنهم الاستماع للقرآن وتعلم الأحكام والمواعظ عن طريق أناس صالحين، أو عن طريق المذياع والأشرطة والمسجلات، وغيرها من الوسائل المنتشرة المعروفة ولله والحمد، وأمَّا خطب الجمعة فمن المعلوم أنها ليست مقررة على من كان في البيوت، بل هي مقررة على المصلي المؤدي لصلاة الجمعة، وأمَّا المحاضرات فمن أراد أن يستمع لها فسيأتي متى ما كان راغباً راجياً ثواب الله.
ثم إنك تجد بعضاً من هؤلاء الأئمة الذين يريدون إسماع من كان في البيوت تجدهم في قراءتهم وفي خطبهم يلحنون لحناً فاحشاً يحيل ويفسد المعنى!!! فقل لي بربك كيف يتعلم الآخرون من مثل هؤلاء وكيف يستفيدون من قراءتهم، وقد قيل (فاقد الشيء لا يعطيه (؟!! وصدق من قال: (كم من مريد للخير لن يصيبه).
أمَّا ما قيل عن الغريب عن الحي فهذا من النادر، والنادر لا حكم له، أو أنه يمكن للغريب الاهتداء للمسجد عن طريق السؤال أو سماع الأذان، أو رؤية منارة المسجد، ونحو ذلك.
وما قيل أن في استعمال هذه المكبرات عوناً للناس في إدراك الجماعة. أقول بل أرى أنه خلاف ذلك، فكثير من الناس تجده لا يذهب إلى المسجد إلاَّ إذا شرع الإمام في الصلاة، وبعضهم يأتي في الركعة الثانية أو الثالثة، وتفوت الكثير منهم بسبب ذلك صلاة الجماعة، فأي مصلحة وإعانة في ذلك؟!! بل إن كثيراً منهم عندما يسمع الإمام يقرأ أو يصلي واقترب الإمام من الركوع يسرع في مشيه، ويخالف بذلك أمره r من عدم الإسراع في المشي إلى الصلاة ولا يبعد أن يكون هذا الإمام مشاركاً لهذا المتخلف في هذه المعصية بسبب إقراره لهذا المنكر، أعني المكبرات الخارجية ([6]).
وأمّّا كون هذه المكبرات تعطي روحانية وبعداً نفسياً وبالأخص في التراويح والقيام فهذا غير مسلم به، بل المشاهد أن أصوات أئمة المساجد مختلطة، وتداخلها ظاهر جداً، مما يتنافى مع الخشوع والتركيز والتمعن في آيات القرآن الكريم.
وللشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – ردٌ آخر على هذه تجده مرفقاً مع هذه الرسالة.
هذا ما تيسر للرد على هذه الشبهة، وقد رأيتَ كيف تهاوت هذه الشبهة في مواجهة القول الحق والفصل في هذه المسألة (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمَّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
¥