تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[28 - 08 - 08, 12:51 ص]ـ

النكتة السادسة

قال المؤلف حفظه الله: ومع ذلك كله لم يعدم الناس في جميع تلك الأعصار من بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، وينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فكم من قتيل لإبليس – من هؤلاء ومن تأثر بهم - قد أحياه أولئك الأئمة الأعلام، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم!

ومن المعلوم عبر القرون أن العلماء هم الذين كانوا يتصدون للأهواء، وأهلها، ويجرون ذلك كله على قاعدة المصالح والمفاسد، فنجدهم يقومون بالرد حينا، ويعرضون عن ذلك أحيانا أخرى، مع بيان الحق (فقه الرد/6).

أقول: إن كان مقصود المؤلف أن العلماء في أي عصر من العصور كان منهم من يتولى تأليف الردود على أهل الأهواء، ومنهم من يعرض عن ذلك، فهذا صحيح، فلا يجب على جميع علماء الزمن أن يؤلف كل منهم في ذلك، وقد حصل المقصود بتأليف بعضهم، ولاسيما أن العلماء متفاوتون في اختصاصاتهم وقدراتهم، وقد تقدم ذكر كلام الشيخ بكر في هذا في النكتة الثانية.

وإن كان مقصود المؤلف حفظه الله بهذا الكلام أن جميع العلماء في عصر من العصور يعرضون عن الرد فهذا غير صحيح، ولم يأت المؤلف حفظه الله بشواهد على ذلك، ولا أتصور أن هناك بدعة ظهرت في زمن، وأعرض عن الرد عليها جميع علماء ذلك الزمن. وأما إعراض بعض علماء ذلك الزمن عن الرد عليها فلا يعني تعميم الحكم على جميع علماء ذلك الزمن.

ثم إن في كلام المؤلف شيئا من التناقض، فقد ذكر أن العلماء كانوا يعرضون عن الرد أحيانا مع بيان الحق فهل بيان الحق لا يعد ردا على من يقول بخلافه؟!

وإذا كان العلماء يعرضون عن الرد على الأهواء وأهلها أحيانا فهذا يناقض ما ذكره المؤلف في أول كلامه من أن الناس في جميع تلك الأعصار لم يعدموا بقايا من أهل العلم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة.

والصواب أن علماء الأمة في جميع العصور لم يخلوا بواجبهم في الرد على الأهواء وأهلها، بل قاموا بذلك خير قيام، وإنما تنوعت أساليب ردهم، بحسب ما تقتضيه المصلحة وما يناسب المقام، فمنهم من يرد بردود صريحة مباشرة، ومنهم من يعدل عن ذلك، ويكتفي بأنواع أخرى من الرد لبيان الحق دون تعريض بأحد أو إشارة إلى أنه قصد بذلك أحدا بعينه، ومنهم من يفعل هذا أحيانا، وهذا أحيانا، حسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية.

قال عاصم الأحول: جلست إلى قتادة، فذكر عمرو بن عبيد [يعني المعتزلي]، فوقع فيه، ونال منه فقلت: أبا الخطاب، ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض؟! فقال: يا أحول، أولا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة ينبغي لها أن تذكر حتى يحذر. (الكامل في ضعفاء الرجال 5/ 97).

وقال ابن الجوزي: والله سبحانه لا يخلي الزمان من أقوام قوام بشرعه، يردون على المتخرصين، ويبينون غلط الغالطين. (تلبيس إبليس /401).

ونقل مرعي الكرمي عن العز بن عبدالسلام قوله: أوجب الله على العلماء إعزاز الدين وإذلال المبتدعين فسلاح العالم علمه ولسانه كما أن سلاح الملك سيفه وسنانه فكما لا يجوز للملوك إغماد أسلحتهم عن الملحدين والمشركين لا يجوز للعلماء إغماد ألسنتهم عن الزائغين والمبتدعين فمن ناضل عن الله وأظهر دين الله كان جديرا أن يحرسه الله تعالى بعينه التي لا تنام، ويعزه بعزه الذي لا يضام. (شفاء الصدور/223).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير