تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا؛ إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه؛ غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأمور وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء رأينا الكشف عن فساد قوله، ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى على الأنام وأحمد للعاقبة إن شاء الله. وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله والإخبار عن سوء رويته ...

إلى أن قال:

وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهين الحديث بالعلة التي وصف أقل من أن يعرج عليه ويثار ذكره؛ إذ كان قولا محدثا وكلاما خلفا لم يقله أحد من أهل العلم سلف ويستنكره من بعدهم خلف، فلا حاجة بنا في رده بأكثر مما شرحنا؛ إذ كان قدر المقالة وقائلها القدر الذي وصفناه، والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء، وعليه التكلان ".

فهذه أوصاف لا يمكن أن يطلقها مسلم على البخاري ولا ابن المديني، وهو يعلم منزلتهما.

قال الشيخ الإتيوبي: وقال الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي مؤيدا أن مسلما سمع هذا القول ممن ليس بإمام في العلم، أو الحديث مانصه: وهو الذي يليق بشأن المؤلف – أي مسلم – فإنه بعيد منه أن يرد على شيخه أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري على أبلغ وجه وآكده بحيث يجترئ على تجهيله، وإخراجه عن زمرة أهل العلم، فالقول بأنه أراد به الرد على الإمام البخاري بخصوصه – كمااشتهر على الألسنة – فهذا إساءة الظن بالمصنف كما لا يخفى. والله تعالى أعلم. وهو بحث نفيس جدا. والحاصل أن مسلما لم يرد البخاري ولا ابن المديني، بل أراد من ليس له رسوخ في العلم، ولا له شأن في تحقيق علم الحديث.

(قرة عين المحتاج 2/ 365).

وفيما ذكره مسلم هنا بيان غايته من الرد على ذلك القول، وهو كلام رائع في أسباب ترك بعض السلف الرد الصريح على بعض المقالات، وأسباب الرد على أخرى، فليت المؤلف يضمه إلى موضعه من كتابه في ص 151 تحت العنوان الذي ذكره هناك، وهو " أن في الرد عليهم ترويجا لباطلهم ".

تنبيه

في إمكان المؤلف أن يستدل على ماذكره هنا من أن بعض السلف قد يقول الكلمة، ومراده المبالغة في إبطال قول أو تكذيب رواية دون قصد الشناعة على نفس الراوي أو القائل المعين بقول مسلم في مقدمة صحيحه تعليقا على قول يحيى القطان: لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث. وقوله:لم تر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث. قال مسلم: يقول: يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب. فهذا أدل على القاعدة التي ذكرها من قصة ابن معين. والله أعلم.

النكتة الثامنة

قال المؤلف حفظه الله: كان السلف يفرقون في أحكامهم مراعين بذلك الفوارق المكانية، ولذا لم يقولوا بهجر من رمي بالتشيع في الكوفة، أو رمي بالقول بالقدر في البصرة، وذلك لغلبة التشيع على الكوفة، وغلبة القول بالقدر على البصرة آنذاك، وكذا التنجيم في خراسان، وسئل أحمد عن إظهار العداوة لمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: أهل خراسان لا يقوون بهم. وكانت معاملته إياهم في المحنة: الدفع بالتي هي أحسن، وكان رحمه الله يقول:" لوتركنا الرواية عن القدرية لتركناها عن أكثر أهل البصرة ".

(فقه الرد/10).

أقول: الهجر نوع من أنواع الرد، ولا تلازم بينه وبين أنواع الرد الأخرى، فإذا ترك الهجر لسبب، فلا يعني هذا ترك أنواع الرد الأخرى، وقد ترد على شخص برد صريح مباشر يبين خطأه، ولا تهجره، وقد ترد عليه بذلك وتهجره، وقد لا ترد عليه ردا صريحا لكن تهجره.

والرواية عن المبتدعة لا تعني عدم الرد عليهم، ولهذا وجدنا أئمة المحدثين الذين رووا عن المبتدعة يردون عليهم بردود صريحة بينوا فيها بطلان بدعتهم وحذروا الناس منها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير