تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له»، متفق عليه. ولمسلم: «فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين»، وللبخاري: «فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين».

فقوله: «فاقدروا له» قيل في معناه عن أحمد بن حنبل: ضيقوا له، فيضيق شعبان بصيام آخر يوم فيه، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه} أي: ضيق، وقال الجمهور: معناه: اقدروا له تمام العدد ثلاثين، وهو من التقدير، ومنه قوله تعالى: {فقدرنا فنعم القادرون}، وذهب آخرون إلى تأويل ثالث، وقالوا: معناه فاقدروه بحساب المنازل، قاله أبوالعباس ابن سريج من الشافعية، ومطرف بن عبدالله من التابعين، وابن قتيبة من المحدثين، قال ابن عبدالبر رحمه الله: لا يصح عن مطرف.

ودخول الشهر بالحساب وجعله هو المعتمد دون الرؤية محرم بوجوده:

1 - أنه أجمع المسلمون على عدمه، ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً، ولا خلاف حديث، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المئة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب. انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (25/ 132 - 133).

2 - ولأن اجتماع الشمس والقمر الذي هو تحاذيهما الكائن قبل الهلال أمر خفي لا يعرف إلا بحساب ينفرد به بعض الناس، وربما وقع فيه الغلط والاختلاف، وكذلك كون الشمس حاذت البرج الفلاني، فهذا أمر لا يدرك بالابصار، وإنما يدرك بالحساب الخفي الخاص المشكل الذي قد يغلط فيه، وإنما يعلم ذلك بالإحساس تقريباً. مجموع فتاوى ابن تيمية (25/ 137).

3 - ولأن الصيام عبادة، والأصل في العبادات التوقيف، وهذا علم لم يكن يجهله أهله في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعول عليه النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه فلا يجوز أن يعول عليه، قال تعالى: {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم}، وقال تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق}.

4 - صيانة عقائد الناس: قال أبوبكر ابن العربي في القبس في شرح الموطأ (2/ 484) في سبب عدم التعويل على الحساب في دخول الأهلة: «صيانة لعقائد الناس أن تناط بالعلويات، وأن تعلق عباداتها بتداور الأفلاك ومواقعها في الاجتماع والاستقبال».

5 - عدول عن الواضح البين إلى الغامض الخفي: فالحساب أمر دقيق خفي لا يحسنه عموم المسلمين ودخول الشهر برؤية الهلال أمر واضح جلي يشاهده كل المسلمين عيانا، فلا يجوز تعطيل الواضح من أجل التعويل على الغامض.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (25/ 131): «وذلك أن الهلال أمر مشهود مرئي بالأبصار ومن أصح المعلومات ما شوهد بالابصار، ولهذا سموه هلالا، لأن هذه المادة تدل على الظهور والبيان إما سمعا وإما بصرا، كما يقال: أهل بالعمرة، واستهل الجنين: إذا خرج صارخا، ويقال: تهلل وجهه إذا استنار وأضاء».

وأما بالنسبة لرؤية الهلال ولزوم رؤيته لبقية الأمصار فاسحاق يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم، ولا يلزمهم رؤية غيرهم، والمشهور عند المالكية أن الهلال إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها لقوله صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته» والميم علامة الجمع، ولما رواه أبوداود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون»، والمعنى: الصوم والفطر مع الجماعة.

والقول الثالث وهو الصحيح وهو وجه للشافعية صححه النووي هو أنه إذا اتفقت مطالع الهلال صاموا جميعا، وإن اختلفت فلكل بلد رؤيته، ويدل لذلك ما رواه مسلم عن كريب أن أم الفضل رضي الله عنها بعثته إلى معاوية رضي الله عنه بالشام فقال: رأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس رضي الله عنهما: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: ليلة الجمعة، فقال أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية رضي الله عنه، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية رضي الله عنه وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3 - وعن أبي مالك الأشجعي عن حسين بن الحارث الجدلي أن أمير مكة خطب ثم قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، فسألت الحسين بن الحارث عن أمير مكة، قال: لا أدري، ثم لقيني بعد، فقال: هو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب، ثم قال الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني، وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأومأ بيده إلى رجل، قال الحسين: فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الذي أومأ إليه الأمير؟

قال: هذا هو عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وصدق، وهو أعلم بالله منه، فقال: بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم»، رواه أبوداود وهذا لفظه، والدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح متصل.

وهذا الحديث صححه أيضاً البيهقي وكذلك النووي في شرح المهذب (6/ 276). والحديث دال على وجوب تحري رؤية هلال رمضان لأن عبادة الصيام تثبت برؤيته.

وهذا الحديث دال على ثبوت دخول شهر رمضان بشهادة شاهدين وهذا ما ذهبت إليه المالكية والأوزاعي واسحاق وأن رمضان كسائر الشهور لابد فيه من شهادة شاهدين.

وأما الحنفية فقالوا بقبول الشاهد الواحد إذا كان في السماء غيم، أما إذا كانت السماء حصوا فلا يقبل إلا من جمع، وهذا قول مرجوح وتعليل مردود لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام تسع رمضانات وكانت السماء صحوا في الصيف. شرح العمدة لابن تيمية (1/ 105).

والصحيح أنه تقبل شهادة رجل واحد في دخول رمضان وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد، والدليل الحديث الآتي:

4 - «عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه». رواه أبوداود وابن حبان والحاكم وقال: على شرط مسلم.

يتبع ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير