تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول: أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا وأن يقينا شر أنفسنا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يذيقنا وإياك لذة الحق قبولاً وابتاعاً ثم اعلم رفع الله لك الدرجة وأعلا نزلك في الجنة أن الشريعة إما مأمور بفعله إيجاباً أو استحباباً، وإما ما أمر بتركه تحريماً أو كراهة، ونحن الآن في القسم الثاني وهو قسم المنهيات ونخص منها المنهيات تحريماً، فأقول: لقد شرحنا في تلقيح الأفهام قاعدة: لا يؤثر فعل المنهي عنه إلا بذكر وعلم وإرادة، وهذا الضابط متفرع عن تلك القاعدة، وبيانه أن يقال: إن مفسدات الصوم التي تقدم الكلام عليها من أكل وشرب وجماع وحجامة واستمناء وردة والتقيؤ وغيرها مما ذكر، هذه المفسدات لا يترتب عليها أثرها إلا إذا توفر في مرتكبها ثلاثة شروط، بحث إذا اختل شرط فإنه يتخلف الأثر، ونعني بالأثر هنا أموراً: إفساد الصوم والقضاء وإلا ثم والكفارة فيما تجب فيه الكفارة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وهذه الشروط هي المذكورة في هذا الضابط، وهي العلم والذكر والإرادة، وإليك شيء من تفصيلها مع أدلتها وفروعها فأقول وبالله التوفيق:

الشرط الأول: العلم: وضده الجهل، فلا تؤثر هذه المفسدات إلا إذا كان فعلها عالماً أنها مفسدة لصومه، وبناءاً عليه فمن فعل شيئاً وهو جاهل بحكمه فإنه لا شيء عليه وصومه صحيح والدليل على ذلك جميع الآيات التي فيها أن الله لا يكلف نفساً إلى وسعها وإلا ما آتاها وأنه لم يحملنا جل وعلا ما لا طاقة لنا به، وأنه يريد بنا اليسر ولا العسر والتخفيف لا الإثقال، كل ذلك دليل على اشتراط العلم لثبوت التكليف لأن التكليف بما لا يعلم خارج عن وسع النفس وطاقتها وهو من العسر والإثقال والآصار والأغلال التي جاءت شريعتنا بوضعها، ويدل عليه بخصوصه من السنة حديث عدي بن حاتم - ? - لما نزل قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) قال: فعمدت إلى عقالين أبيض وأسود وجعلتهما تحت وسادتي فجعلت آكل حتى تبينا فإذا الصبح قد طلع، فذكرت ذلك للنبي ?، فأخبره بالحق وأن المراد بذلك نور القمر وظلمة الليل) (1) ووجه الاستشهاد وأن النبي ? لم يأمره بقضاء ذلك اليوم الذي أكل في نهاره مما يدل على أنه عذره وسبب العذر هو عدم العلم أي أن عدي بن حاتم - ? - قد أكل وشرب وهو لا يعلم أنه بهذا الأكل والشرب يفسد صومه ظناً منه صواب نفسه، مما يدل على أن عدم العلم بأنه مفسد عذر في عدم ترتب أثره من فساد الصوم أو الإثم والقضاء، ولكن ينبغي أن تعلم أن قضية الجهل لا بدلها أن تضبط بضابط مهم وهو أن يكون مثله يجهل، وقد قررنا سابقاً أن رفع الجهل عن نفسه وتكاسل في ذلك وفرط فإن جهل هذا ليس بعذر في ترك مأمور ولا فعل محظور وأما إن كان لا يستطيع رفع الجهل عن نفسه لعذر ما فهذا هو الذي كون جهله عذراً رافعاً للموآخذة، وقد ذكرنا هذه المسألة بأوسع من هذا في كتاب المباحث الجلية في رد المسائل الخلافية للكتاب والسنة والله أعلم.

الشرط الثاني: الذكر وضده النسيان فلا تكون هذه الأشياء مفسدة للصوم إلا إذا فعلها الصائم وهو ذاكر لصومه، ويدل على ذلك قوله تعالى: (ربنا لا تؤآخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (2) وفي صحيح مسلم قال الله (قد فعلت) ويدل عليها بخصوصها حديث أبي هريرة في الصحيح قال: قال رسول الله ?: (من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) (3) وفي لفظ: (من أكل أو شرب ناسياً فإنما هو رزق رزقه الله) (4)

وللدارقطي معناه وزاد (ولا قضاء) (1) وللحاكم في المستدرك مرفوعاً: (من أكل في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة) (2) وقال: صحيح على شرط مسلم، فدل ذلك على أنه لا أثر لذلك الأكل والشرب بالنسبة للصائم ويقاس عليه ما عداه لأنه في معناه، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (3) حديث إسناده حسن والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير