المسألة الأولى: الجهر بالنية:
اعتاد كثير من المصلين أن يتلفظوا بالنية جاهرين بها فتسمع أحدهم يقول قبل أن يحرم بصلاة الظهر: نويت أصلي أربع ركعات فرض صلاة الظهر جماعة مقتدياً بهذا الإمام مستقبلاً الكعبة الشريفة.
وهذا التلفظ جهراً بالنية بدعة سيئة مذمومة مخالفة لهدي الرسول e وتوضيح ذلك بما يلي:
أولاً: إن النية من عمل القلب وليست من عمل اللسان لذلك فإن كثيراً من أهل العلم يعرفون النية بأنها عزيمة القلب أو قصد القلب.
قال الإمام الخطابي: [النية قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك له. وقيل عزيمة القلب] (1).
وقال الإمام القرافي: [هي قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله] (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والنية هي القصد والإرادة والقصد والإرادة محلهما القلب دون اللسان باتفاق العقلاء] (3).
وقال العلامة ابن القيم: [النية عمل القلب] (4).
وقال أبو إسحاق الشيرازي: [لأن النية هي القصد بالقلب] (1).
وقال التيمي هي: [وجهة القلب] (2).
وقال البيضاوي: [النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مآلاً] (3). وغير ذلك من التعريفات.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والنية محلها القلب باتفاق العلماء فإن نوى بقلبه ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية باتفاقهم] (4).
وقال شيخ الإسلام أيضاً: [محل النية القلب دون اللسان باتفاق أئمة المسلمين في جميع العبادات] (5).
وقال السيوطي: [محلها القلب في كل موضع] (6).
وقال الشيخ أحمد الشويكي الحنبلي: [ومحلها القلب] (7). وهذا الذي عليه المحققون من العلماء (8).
ثانياً: إن الأصل في العبادات التوقيف على رسول الله e كما قررته سابقاً ولم ينقل عن النبي e أنه تلفظ بالنية وكذلك لم ينقل عن النبي e أنه علَّم أحداً من الصحابة التلفظ بالنية ولو كان التلفظ مشروعاً لنقل إلينا كما نقلت إلينا أدق أعمال الصلاة وغيرها.
قال العلامة ابن القيم: [كان e إذا قام إلى الصلاة قال: (الله أكبر) ولم يقل شيئاً قبلها ولا تلفظ بالنية البتة ولا قال: أصلي لله صلاة كذا مستقبل الكعبة أربع ركعات إماماً أو مأموماً. ولا قال: أداءً ولا قضاءً ولا فرض الوقت وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظة واحدة منها البتة. بل ولا عن أحد من أصحابه ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة] (1).
وقال العلامة القسطلاني: [وبالجملة فلم ينقل أحد أنه e تلفظ بالنية ولا علم أحداً من أصحابه التلفظ بها ولا أقره على ذلك بل المنقول عنه في السنن أنه قال:
[مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم].
وفي الصحيحين أنه e لما علم المسيء صلاته قال له: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) فلم يأمره بالتلفظ بشيء قبل التكبير] (2).
وقال العلامة القسطلاني أيضاً: [ ... ولقد صلَّى e أكثر من ثلاثين ألف صلاة فلم ينقل عنه أنه قال: نويت أن أصلي صلاة كذا وكذا وتركه e سنة، كما أن فعله سنة فليس لنا أن نسوي بين ما فعله وتركه فنأتي من القول في الموضع الذي تركه بنظير ما أتى به في الموضع الذي فعله ... ] (3).
ونقل ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية قوله: [ومن هؤلاء من يأتي بعشر بدع لم يفعلها رسول الله e ولا أحد من أصحابه واحدة منها فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم نويت أصلي صلاة الظهر فريضة الوقت أداء لله تعالى إماماً أو مأموماً أربع ركعات مستقبل القبلة، ثم يزعج أعضاءه ويثني جبهته ويقيم عروق عنقه ويصرخ بالتكبير كأنه يكبر على العدو، ولو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلام يفتش هل فعل رسول الله e أو أحد من أصحابه شيئاً من ذلك لما ظفر به إلا أن يجاهر بالكذب البحت، فلو كان في هذا خيرٌ لسبقونا إليه ولدلونا عليه فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه وإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال] (1).
كما أنه ثبت أن الرسول e لم يكن يتلفظ بالنية بل كان يبدأ الصلاة بالتكبير كما صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله e يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين) رواه مسلم (2).
¥