ـ[أم جمال الدين]ــــــــ[03 - 09 - 08, 08:11 ص]ـ
المبحث الخامس
بدع محدثة في دعاء القنوت
ثبت أن النبي e قنت في الفجر بعد الركوع شهراً ثم ترك القنوت وثبت أنه e كان يقنت في النوازل وترك القنوت عند عدمها وثبت أنه e قنت في الوتر وتركه أحياناً أخرى (1).
وجاء في الحديث أن النبي علّم دعاء القنوت لابن بنته الحسن بن علي رضي الله عنهم، قال الحسن t : علمني رسول الله e كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة (2).
وفي رواية عند البيهقي زيادة: (ولا يعز من عاديت) بعد قوله: (ولا يذل من واليت) (3).
وزاد النسائي في آخر الدعاء: (وصلى الله على النبي محمد) وقال النووي: وإسناده حسن أو صحيح (4). وقال الترمذي: [هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي واسمه ربيعة بن شيبان. ولا نعرف عن النبي e في القنوت شيئاً أحسن من هذا] وصححه الشيخ الألباني (1).
وقد أحدث الناس بدعاً كثيرة في القنوت أذكر منها:
أولاً: تقليب اليدين عند الدعاء وقول المأمومين بعض الكلمات عند دعاء الإمام كقولهم: حق، حق، أشهد، ونحو ذلك.
وهذا التقليب للكفين لم يرد عن الرسول e في دعاء القنوت لا في قنوت الفجر ولا في قنوت الوتر وإنما ورد تقليب الكفين في دعاء الاستسقاء خاصة ولعل الحكمة في الإشارة بظهر الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقليب الحال كما قيل في تحويل الرداء كما أفاده الشوكاني (2).
ولم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم حال القنوت في الصلاة إلا التأمين وأما زيادة هذه الألفاظ نحو: حق، وأشهد فليس لها مستند، بل هي بدعة لأن الدعاء من العبادة والأصل في العبادة التوقيف (3).
ولو فعله الصحابة رضي الله عنهم لنقل إلينا كما نقل أنهم كانوا يؤمنون على دعاء النبي e كما جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [قنت رسول الله e شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الأخيرة يدعو على أحياء من بني سليم ويؤمن من خلفه] رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح كما قال الإمام النووي (4).
ثانياً: مسح الوجه والبدن في دعاء القنوت:
إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من دعاء القنوت أمر مشهور بين عامة الناس ولكن هذا الأمر مع شهرته وانتشاره وعمل كثير من الناس به لا سند له عن رسول الله e ولا عن السلف الصالح رضي الله عنهم وإن قال به بعض الفقهاء.
قال الإمام النووي رحمه الله عند حديثه عن هذه المسألة إن فيها وجهين: الأول أنه يستحب وذكر جماعة من الفقهاء الذين قالوا بذلك ثم قال النووي: والثاني لا يمسح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين (1).
ثم ذكر كلام البيهقي التالي وأنقله من سننه رحمه الله حيث قال: [فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة وقد روي عن النبي e حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة.
وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس، فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق] (2).
وأقول جزى الله أئمتنا وعلمائنا خيراً فإنهم وقَّافون عند موارد النصوص فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع.
وأما الحديث الذي أشار إليه البيهقي فهو ما رواه أبو داود في سننه بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول e قال: (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) قال أبو داود روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضاً (1).
وقد علق الشيخ الألباني على هذه الرواية: (فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) فقال: [وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرةٌ ولم أجد لها حتى الآن شاهداً ... ] ثم قال: [ ... لا يصلح شاهداً للزيادة حديث ابن عمر مرفوعاً: (كان النبي e إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) لأن فيه متهماً بالوضع - أي الكذب - وقال أبو زرعة: حديثٌ منكرٌ أخاف أن لا يكون له أصل] (2).
وروى البيهقي بسنده عن علي الباشاني قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه، قال: لم أجد له ثبتاً أي مستنداً (3).
[وسئل الإمام مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء، فأنكر ذلك وقال: ما علمت] (4).
وقال المروزي: [وأما أحمد بن حنبل، فحدثني أبو داود قال: سمعت أحمد وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ من الوتر، فقال: لم أسمع فيه بشيء. ورأيت أحمد لا يفعله] (5).
وأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية عن سؤال حول مسح الوجه عند الدعاء فقال: [وأما رفع النبي e يديه في الدعاء فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة. وأما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة] (1).
وقال العز بن عبد السلام: [ولا يمسح وجهه بيديه عقب الدعاء إلا جاهل] (2).
وأما مسح غير الوجه بعد الدعاء كالصدر فلم يؤثر فيه شيء من حديث أو أثر كما قال د. بكر أبو زيد فقد حقق مسألة مسح الوجه وما يتعلق بها تحقيقاً موسعاً وأجاد فيه وأفاد (3).
وقال الإمام النووي: [قلت: لا يستحب مسح غير وجهه قطعاً، بل نص جماعة على كراهته] (4).
¥