قال إسماعيل بن إسحق: لا أعلم أحداً قال في البنت بقول الحسن، وهو قول شاذ، خالف فيه أهل العلم والسنة الثابتة، فإن الخنساء ابنة خدام الأنصارية روت أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردّ نكاحه. رواه البخاري والأئمة كلهم.
قال ابن عبدالبر: هذا الحديث مجمع على صحته والقول به، لا نعلم مخالفاً له إلا الحسن ". اهـ.
قلت: كلام ابن عبد البر عن حديث الخنساء، في التمهيد [19/ 318]. ولا حاجة بنا إلى التطويل في حكم هذا القسم من النساء، فإننا قد نقلنا في القسم السابق كلام الأئمة في منع إجبار البكر البالغ، فالثيب البالغ أولى بأن يمنع إجبارها.
قال المهلب: اتفق العلماء على وجوب استئذان الثيب، والأصل فيه قوله تعالى {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا} فدل على أن النكاح يتوقف على الرضا من الزوجين. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستئذان الثيب، وردّ نكاح من زوجت وهي كارهة .. " اهـ. باختصار من فتح الباري [12/ 341].
الخلاصة
لخص ابن حجر أقسام النساء في حكم الإجبار، فقال " فالثيب البالغ لا يزوجها الأب ولا غيره إلا برضاها اتفاقاً، إلا من شذ، والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقاً إلا من شذ، والثيب غير البالغ اختلف فيها: فقال مالك وأبو حنيفة: يزوجها أبوها كما يزوج البكر، وقال الشافعي وأبويوسف ومحمد: لا يزوجها إذا زالت البكارة بالوطء لا بغيره، والبكر البالغ يزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء، واختلف في استئمارها، والحديث دال على أنه لا إجبار للأب عليها إذا امتنعت، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم.
وقد ألحق الشافعي الجد بالأب. وقال أبوحنيفة والأوزاعي في الثيب الصغيرة يزوجها كل ولي، فإذا بلغت ثبت الخيار .. " اهـ. باختصار من فتح الباري [9/ 191].
مسألة: الفرق بين الاستئمار والاستئذان
ورد في الأحاديث السابقة أن الثيب تستأمر، والبكر تستأذن، فما الفرق بينهما؟
قال ابن الأثير " إنما قال في حق الأيم " تستأمر " وفي حق البكر " تستأذن "، لأن الاستئمار طلب الأمر من قبلها، وأمرها لا يكون إلا بنطق، وأما الاستئذان فهو طلب الإذن، وقد يُعلم إذنها بسكوتها، لأن السكوت من أمارات الرضا " اهـ انظر جامع الأصول [11/ 461].
قلت: ورد في بعض ألفاظ الأحاديث السابقة أن البكر تستأمر، كما ورد أن الثيب تستأذن.
ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت " قلت يا رسول الله، تستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال:: سكاتها إذنها " رواه البخاري ومسلم. انظر جامع الأصول [11/ 461].
وفي حديث ابن عباس " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها " رواه مسلم ومالك وغيرهما. انظر جامع الأصول [11/ 460].
لكن ورد في لفظ آخر في هذا الحديث " والبكر تستأمر ... ".
قال ابن عبدالبر " كذا قال " تستأمر " لفظ مطرِّف، وعامة رواة الموطأ يقولون: تستأذن " انظر التمهيد [19/ 75].
وقد جاء في الموطأ [ص 525] أن الإمام مالكاً بلغه أن القاسم بن محمد، وسالم بن عبدالله، كانا ينكحان بناتهما الأبكار، ولا يستأمرانهن ".
قلت: وجاء في خصوص اليتيمة أنها " تستأمر " ولم يفرِّق بين ثيب وبكر. وهذا يدل على أن الاستئمار قد يأتي بمعنى الاستئذان، حتى لو قيل إن ذلك من تصرف الرواة.
ويكون الفرق بين الثيب والبكر هو في أمر آخر، وهو أن الثيب أحق بنفسها من وليها، وأما البكر فالولي أحق بها.
وقد أشار إلى هذا المعنى ابن عبد البر، حيث قال " ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الأيم أحق بنفسها من وليها "، دل على أن الأيم – وهي الثيب – أحق بنفسها، وأن لوليها مع ذلك أيضاً حقاً.
لأنه لا يقال: فلان أحق من فلان بكذا، إلا ولذاك فيه حق، ليس كحق الذي هو أحق به منه.
ودلّ أيضاً على أن لولي البكر عليها حقا فوق ذلك الحق , والفرق بينهما: أن ذلك الولي لا ينكح الثيب إلا بأمرها , وله أن ينكح البكر بغير أمرها .. " ونسب هذا القول إلى بعض أهل العلم , ثم
¥