يكثر في هذا الزمان، خاصة في الوسط القبلي، إكراه البنات على الزواج بمن لا يرغبن فيه من الرجال، وتحجر البنات على أبناء العمومة قسراً، مع كونهن بالغات عاقلات راشدات، أبكاراً أو ثيبات.
وقد تقدم أن إكراه الفتاة وإجبارها على من لا ترغبه يعد ظلماً لها، وتعدِّياً على حقوقها، أعظم جرماً من التعدي على مالها من غير وجه حق.
وقد ردّ النبي صلى الله عليه وسلم نكاح الخنساء بنت خدام، لما أكرهها أبوها، وبوب البخاري لهذا الحديث بقوله " باب: إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود ". صحيح البخاري مع الفتح [9/ 194].
وقد جاء في السنن أحاديث أخرى تؤيد حديث الخنساء، منها:
1 – حديث ابن عباس رضي الله عنهما " أن جارية بكراً أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة , فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود [2096] وابن ماجه [1875] و أحمد في المسند [1/ 273].
لكن أعله أبو داود وغيره بالإرسال. وانتصر له ابن القيم في تهذيب السنن [3/ 40] وصحح الحديث.
2 - حد يث عائشة رضي الله عنها في قصة الفتاة التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن أباها زوجها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته , فجعل الأمر إليها , فقالت " قد أجزت ما صنع أبي , ولكن أردت أن أعلم الناس أن ليس للآباء من الأمر شيء ". رواه النسائي [6/ 87] وابن ماجه [1874].
قلت: وفي هذه الأحاديث فائدة: أن الفتاة لها أن ترفع أمرها إلى القضاء إذا أكرهت على الزواج , بكراً كانت أم ثيباً , وأنه لا حرج عليها في ذلك ولا لوم , فقد فعله من هو أفضل منها من النساء , في أفضل القرون , ولو كان عيباً لما أقرهن النبي صلى الله عليه وسلم على مقاضاة آبائهن.
وليس في اعتراض الفتاة على أبيها , أو غيره من الأولياء , ومقاضاته عقوق أو شبهةعقوق , بل هو أمر محمود ممدوح أن ترفض من تكرهه ولو كان كفئاً لها , لأنها إن عاشرت من تكرهه , فقد لا تؤدي حقه , وقد تعصيه , أو تنشز عليه , أو تمنعه من نفسها , وكل ذلك من الذنوب التي تقربها إلى النار , وتجعلها عرضة لسخط الجبار.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في النساء " رأيتكن أكثر أهل النار " ثم ذكر سبب ذلك فقال " تكثرن اللعن وتكفرن العشير ". رواه البخاري [3/ 257].
ولهذا خالعت امرأة ثابت بن قيس بن شماس زوجها , وعللت ذلك بقولها " إني أكره الكفر في الإسلام ". رواه البخاري. انظر الفتح [9/ 400].
وتعني: أنها تكره أن تكفر العشير , وهو الزوج , وأن لا تؤدي حقه.
وإذا جاز للمرأة أن تخالع زوجها , بعد زواجها , وربما يكون لها منه أولاد , ولا يعد ذلك منها إثماً ولا عيباً , إذا خافت أن لا تقيم حدود الله معه , فلأن تقاضي أباها ووليها قبل ذلك وترد نكاح من لا ترغب , من باب أولى.
وفي الحديث الآخر " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان , لعنتها الملائكة حتى تصبح ". رواه البخاري [9/ 258] ومسلم [1436].
وفي لفظ " إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ".
وروى الترمذي [1174] من حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه , قاتلك الله , فإنما هو دخيل عندك , يوشك أن يفارقك إلينا ".
قال ابن تيمية " ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقاً، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه، مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه، كان النكاح كذلك وأولى، فإن أكل المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك، ولا يمكن فراقه " اهـ. مجموع الفتاوى [32/ 30].
قلت: وأنا أنصح كل فتاة، أكرهت على زواج من لا ترغب، أن تطالب بفسخ هذا النكاح قبل أن يدخل بها، وعليها أن تجاهد في ذلك وتحتسب، فإنها إن أصرت على موقفها فسيرضخ الأب والولي لرأيها، ولن يستطيع أحد أن يدخلها بالقوة على زوج تكرهه، وهي مأجورة - إن شاء الله - في رفضها، إذا خافت أن لا تقيم حدود الله مع من تكرهه.
¥