(والإيمان قول وعمل يزيد وينقص، زيادته إذا أحسنت، ونقصانه إذا أسأت، ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، فإن تاب رجع إلى الإيمان، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله جاحداً لها، فإن تركها تهاونا بهاً وكسلاً كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه) [انظر مناقب الإمام أحمد بن حنبل (ص 226) للحافظ ابن الجوزيّ ط. دار هجر المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد (1/ 85) لعبد الرحمن العليمي ط. مطبعة المدني.]
وهذه الرواية صريحة عن الإمام أحمد في أنه لا يكفر إلا بالشرك بالله، ورد الفرائض، وهو الإباء لفعلها، أو جحودها، وأنه لا يكفر بالترك المجرد.
قال شيخ الإسلام على هذه الرسالة: (وأما رسالة أحمد بن حنبل إلي مسدد بن مسرهد فهي مشهورة عند أهل الحديث والسنة من أصحاب أحمد، وغيرهم، تلقوها بالقبول، وقد ذكرها أبو عبد الله بن بطة في كتاب (الإبانة) واعتمد عليها غير واحد كالقاضي أبي يعلى وكتبها بخطه) اهـ. مجموع الفتاوى (5/ 396).
وقال شيخ الإسلام في نقل الروايات في المسألة:
(الوجه السادس: أن مباني الإسلام الخمس المأمور بها وإن كان ضرر تركها لا يتعدى صاحبها، فإنه يقتل بتركها في الجملة عند جماهير العلماء ويكفر أيضاً عند كثير منهم، أو أكثرهم أو أكثر السلف، وأما فعل المنهي عنه الذي لا يتعدى ضرره صاحبه فإنه لا يقتل به عند أحد من الأئمة، ولا يكفر به إلا إذا ناقض الإيمان، لفوات الإيمان وكونه مرتداًَ أو زنديقاً:
وذلك أن من الأئمة من يقتله، ويكفره بترك كل واحدة من الخمس، لأن الإسلام بني عليها وهو قول طائفة من السلف ورواية عن أحمد اختارها بعض أصحابه.
ومنهم من لا يقتله ولا يكفره إلا بترك الصلاة والزكاة أصلاً، وهي رواية أخرى عن أحمد، كما دل عليه ظاهر القرآن في براءة، وحديث ابن عمر وغيره، ولأنهما منتظمان لحق الحق، وحق الخلق، كانتظام الشهادتين للربوبية والرسالة، ولا بدل لهما من غير جنسهما، بخلاف الصيام والحج.
ومنهم من يقتله بهما، ويكفره بالصلاة وبالزكاة إذا قاتل الإمام عليها كرواية عن أحمد.
ومنهم من يقتله بهما، ولا يكفره إلا بالصلاة، كرواية عن أحمد.
ومنهم من يقتله بهما، ولا يكفره كرواية عن أحمد.
ومنهم من لا يقتله إلا بالصلاة ولا يكفره، كالمشهور من مذهب الشافعي لإمكان الاستيفاء منه.
وتكفير تارك الصلاة هو المشهور المأثور عن جمهور السلف من الصحابة والتابعين.
ومورد النزاع هو في من أقر بوجوبها، والتزم فعلها، ولم يفعلها، وأما من لم يقر بوجوبها فهو كافر باتفاقهم) [مجموع الفتاوى (20/ 95ـ100)].
وقال أيضًا:
(وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب، وأما هذه المباني ففي تكفير تاركها نزاع مشهور، وعن أحمد: في ذلك نزاع وإحدى الروايات عنه: أنه يُكفّر من ترك واحدة منها وهو اختيار أبي بكر وطائفة من أصحاب مالك كابن حبيب، وعنه رواية ثانية: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة فقط، ورواية ثالثة: لا يكفر إلا بترك الصلاة، والزكاة إذا قاتل الإمام عليها، ورابعة: لا يكفر إلا بترك الصلاة، وخامسة: لا يكفر بترك شئ منهن وهذه أقوال معروفة للسلف) اهـ[مجموع الفتاوى (7/ 301 - 302)].
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى: (وأما هذه الخمس فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها وكذلك إن زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما.
وأما زوال الأربع البواقي: فاختلف العلماء هل يزول الاسم بزوالها أو يزول بواحد منها، أم لا يزول بذلك، أم يفرق بين الصلاة وغيرها فيزول بترك الصلاة دون غيرها، أم يختص زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصة؟
وفي ذلك اختلاف مشهور، وهذه الأقوال كلها محكية عن الإمام أحمد). [شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري ص (26 - 30) ط. دار الحرمين القاهرة].
وقال ابن سنينة في كتابه "المستوعب": (وهل وجب قتله حداً أو لكفره؟
على روايتين نص عليهما، إحداهما: حداً فحكمه سائر أحكام المسلمين الثانية: لكفره فحكمه حكم المرتد.
وإذا حكمنا بردته بانت زوجته منه إن كانت غير مدخول بها، وإن كانت مدخولاً بها فتاب وهي في العدة فهي زوجته، وإن لم يتب حتى انقضت عدتها بانت منه.
وقد نص أحمد –رحمه الله- أنها تخلع منه، ولم يقل: تبين، وهذا على قوله: أنه لا يكفر.
وكذلك الحكم إذا تركت المرأة الصلاة من غير عذر.
وإذا وجب قتل تارك الصلاة فلا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام، سواء قلنا: يكفر أو لا يكفر، فإن تاب وإلا قتل بالسيف، فإن كان صبياً لم يقتل حتى يستتاب بعد بلوغه ثلاثة أيام.
فأما بقية العبادات فأكثر أصحابنا حكوا: أنه لا يكفر بتركها خلاف الصلاة وهل يقتل بتركها؟ على روايتين.
وقال أبو بكر في كتاب (الخلاف): من ترك الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج مع القدرة فعند أحمد -رحمه الله– مرتد، وكذا حكى أبو الخطاب في باب المرتد من الهداية.
وقد أنكر أبو عبد الله بن بطة القول بتكفير تارك الصلاة، وقال: لا يختلف المذهب أنه لا يكفر والله تعالى أعلم) [المستوعب (1/ 16–22)].
قال ابن القيم في كتابه (الصلاة وحكم تاركها):
(فصل في تارك الصلاة هل يقتل حدا أم كفراً؟
وأما المسألة الثالثة وهو أنه هل يقتل حدا كما يقتل المحارب والزاني أم يقتل كما يقتل المرتد والزنديق؟
هذا فيه قولان للعلماء وهما روايتان عن الإمام أحمد، إحداهما: يقتل كما يقتل المرتد، وهذا قول سعيد بن جبير وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي وأبي عمرو الأوزاعي وأيوب السختياني وعبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وعبد الملك بن حبيب من المالكية، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وحكاه الطحاوي عن الشافعي نفسه وحكاه أبو محمد بن حزم عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة
والثانية: يقتل حداً لا كفراً، وهو قول مالك والشافعي واختار أبو عبد الله بن بطة هذه الرواية، ونحن نذكر حجج الفريقين). [الصلاة وحكم تاركها (26 - 45) ط دار العقيدة].
¥