اختلف الأشاعرة في الاستثناء، ومن جوزه منهم فباعتبار الموافاة، ومرادهم أن الإيمان هو ما مات عليه العبد، ويوافي به ربه، وهذا مجهول للعبد فيستثني لذلك.
فهؤلاء لما اشتهر عندهم عن أهل السنة أنهم يستثنون في الإيمان، ورأوا أن هذا لا يمكن إلا إذا جعل الإيمان هو ما يموت العبد عليه، وهو ما يوافي به العبد ربه، ظنوا أن الإيمان عند السلف هو هذا، فصاروا يحكون هذا عن السلف، وهذا القول لم يقل به أحد من السلف، ولكن هؤلاء حكوه عنهم بحسب ظنهم، لما رأوا أن قولهم لا يتوجه إلى على هذا الأصل، وهم يدعون أن ما نصروه من أصل جهم في الإيمان هو قول المحققين والنظار من أصحاب الحديث) [57] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn57).
وأكثر الطوائف يخالفونه في هذا، فيقولون بل قد يكون الرجل عدواً لله ثم يصير ولياً لله، ويكون الله يبغضه ثم يحبه، وهذا مذهب الفقهاء والعامة، وهو قول المعتزلة والكرامية والحنفية قاطبة وقدماء المالكية والشافعية والحنبلية.
وعلى هذا يدل القرآن كقوله: ژ? ? ? ? ? ? ? ?ژ [58] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn58) ، و ژ? ? ژ [59] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn59) ، وقوله: ژ? ? ? ? ?ںں ? ? ژ [60] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn60) ، فوصفهم بكفر بعد إيمان، وإيمان بعد كفر، وأخبر عن الذين كفروا أنهم كفار، وأنهم إن انتهوا يغفر لهم ما قد سلف، وقال: ژہ ہ ھ ھژ [61] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn61) ، وقال: ژ? ? ? ? ? ? ? ? ? ??ژ [62] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn62).
وبهذا يظهر الفرق بين من استثنى من السلف لأجل خوف العاقبة وتغير الحال [63] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn63) ، وبين القول بالموافاة، الذي ذهب إليه الأشاعرة، وتضمن القول بأن الإيمان هو ما مات عليه العبد، وأن الإنسان إنما يكون عند الله مؤمناً وكافراً باعتبار الموافاة وما سبق في علم الله أنه يكون عليه، وما قبل ذلك لا عبرة به، وتضمن أيضاً: أن حب الله وبغضه ورضاه وسخطه وولايته وعداوته إنما يتعلق بالموافاة فقط.
وسر المسألة كما بين شيخ الإسلام رحمه الله أن الأشاعرة ينفون الأفعال الاختيارية, ويثبتون رضا ومحبة قديمة بمعنى الإرادة، وعندهم أن الله لا يرضى عن أحد بعد أن كان ساخطاً عليه، ولا يفرح بتوبة عبد بعد أن تاب عليه، وأما أهل السنة فقد أخذوا بما دلت عليه النصوص من أن الله تعالى يحب من شاء إذا شاء، ويرضى عمن شاء متى شاء، ويسخط عمن شاء وقت ما يشاء، سبحانه، فمحبته ورضاه وسخطه صفات تتعلق بمشيئته.
المبحث الرابع: الفرق بين تصديق الأشاعرة ومعرفة جهم
والحق أن الناظر في كتب هؤلاء المتأخرين يتبين له أنهم لا يثبتون تصديقاً مجرداً عن أعمال القلوب، بل يدخلون في التصديق: الإذعان والانقياد والقبول والرضى، ويفرقون بينه وبين المعرفة التي أثبتها جهم، كما أنهم يقررون كفر كثير من المشركين وأهل الكتاب الذين كانوا يعرفون الحق ولا ينقادون له.
المبحث الخامس: مفهوم الكفر عند الأشاعرة
يرى الأشاعرة أن الكفر هو التكذيب، أو الجهل بالله تعالى، وأن ما كان من أمور الكفر المجمع عليها كالسجود للصنم وعبادة الأفلاك ليس كفراً في نفسه، لكنه علامة على الكفر، ويجوز أن يكون فاعل ذلك في الباطن مؤمناً، ومنهم من يقول: هذه الأمور جعلها الشارع علامة على التكذيب، فيحكم على فاعلها بوجود التكذيب في قلبه وانتفاء التصديق منه.
والحاصل أن الأشاعرة لا يرون الكفر إلا تكذيب القلب أو جهله، ولا يرون عملاً أو قولاً هو كفر بذاته، وأن من حُكم بكفره، فلذهاب التصديق من قلبه، أو يقال: هو كافر ظاهراً، وقد يكون مؤمناً باطناً، وهم يلتقون مع جهم في هذا التأصيل.
في بيان مذهب الماتريدية
المبحث الأول: قولهم في الإيمان:
فقد ذهب إلى أن الإيمان هو التصديق، وأن قول اللسان شرط لإجراء الأحكام الدنيوية فقط، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ولا يستثنى فيه.
¥