والثاني: إثبات التلازم بين الظاهر والباطن، والتسليم بأن انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم، والقائل بهذا خلافه مع أهل السنة أكثره لفظي، وبدعته في إخراج العمل من مسمى الإيمان، من بدع الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد.
هذا تحرير مذهب شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة.
وصرح بعض أهل العلم بأن الخلاف حقيقي جوهري، بإطلاق:
قال الشيخ ابن باز رحمه الله معلقاً على قول الطحاوي في عقيدته المشهورة: (والإيمان هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان):
(هذا التعريف فيه نظر وقصور، والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر، وقد ذكر الشارح ابن أبي العز جملة منها فراجعها إن شئت، وإخراج العمل من الإيمان هو قول المرجئة، وليس الخلاف بينهم وبين أهل السنة فيه لفظياً، بل هو لفظي ومعنوي، ويترتب عليه أحكام كثيرة، يعلمها من تدبر كلام أهل السنة وكلام المرجئة، والله المستعان) [67] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn67) .
وكذلك الشيخ الألباني.
فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي؟
سمات الإرجاء المعاصر
المبحث الثاني: حول قول بعض السلف: من قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد برئ من الإرجاء
إن القول بأن الإيمان قول وعمل، يعني إثبات أمرين لا نزاع فيهما بين أهل السنة:
الأول: أنه لا يجزئ القول ولا يصح من دون العمل، وهذا مصرح به من أئمة السلف، وعليه إجماعهم.
الثاني: أن الكفر يكون بالقول، والعمل، كما يكون بالاعتقاد والترك.
فالمخالف في هذا أو في بعضه مخالف لأهل السنة، موافق للمرجئة، ولو ادعى غير ذلك.
المبحث الثلث: مقالات المرجئة المعاصرة:
1 - الإيمان هو التصديق والإقرار.
2 - الإيمان هو التصديق فقط، وقول اللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، فمن صدق بقلبه، ولم يأت به – من غير إباء – فهو مؤمن ناج عند الله، وهذا معتمد الأشاعرة والماتريدية، وهو أسوأ من قول مرجئة الفقهاء.
3 - الإيمان تصديق بالقلب، وعمل بالقلب دون الجوارح، وهو قول عامة المرجئة.
4 - الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وهو قول المرجئة الأوائل، وبه يقول أكثر الماتريدية اليوم.
5 - الكفر هو التكذيب والجحود، وليس شيء من الأقوال أو الأعمال كفراً بذاته، وأسوأ منه ما ذهب إليه بعض المعاصرين من أنه لا يكفر من قال الكفر أو عمله، (لأن أولئك قالوا: بأن الفعل والقول يكون علامة على الكفر، بحيث يحكم عليه بالكفر لفعله أو قوله، في أحكام الدنيا دون أحكام الآخرة، وأما المتأخرون فلم يحكموا عليه بالكفر فيهما، مما يعني إبطال حد الردة. لكن قول هؤلاء المتأخرين أخف من قول المرجئة المتقدمين من وجه آخر، وهو إدخال العمل في مسمى الإيمان المطلق، فإن المرجئة الأوائل لا يدخلون العمل في مسمى الإيمان المطلق، وهؤلاء يدخلونه) [68] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn68).
6- الكفر لا يكون إلا في القلب، لكنه لا ينحصر في التكذيب، بل يدخل فيه ما يناقض عمل القلب، كالاستكبار وعدم الخضوع، والاستخفاف والعداوة والبغض، وهذا قول بعض المرجئة.
7 - الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد، ويريدون بالاعتقاد: التكذيب، أو الاستحلال.
8 - ترك الصلاة ليس كفراً؛ لأن الكفر عمل قلب وليس عمل بدن، أو لأن الكفر لا يكون إلا بالقلب، وهذا هو قول المرجئة، وأما من لم يكفر تارك الصلاة، اعتماداً على النظر في الأدلة مع التسليم بأن الكفر يكون بالقول والفعل فليس بمرجئ.
علاقة العمل بالإيمان
التلازم بين الظاهر والباطن
المبحث الأول: مفهوم التلازم
المرد بالتلازم هنا: ارتباط الظاهر بالباطن وتأثير كل منهما في الآخر، بحيث يستحيل وجود إيمان صحيح في الباطن غير أن يظهر موجبه ومقتضاه على أعمال الجوارح قولاً وعملاً، بل حيث وجد الإيمان في الباطن لزم أن ينفعل البدن بالممكن من أعمال الجوارح، فالعمل الظاهر لازم للإيمان الباطن لا ينفك عنه، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم، فيستدل بانتفاء العمل الظاهر بالكلية على فساد الباطن.
¥