والمعتزلة استعظموا نفي الأسماء لما فيه من تكذيب القرآن تكذيبا ظاهر الخروج عن العقل والتناقض فإنه لا بد من التمييز بين الرب وغيره بالقلب واللسان فما لا يميز من غيره لا حقيقة له ولا إثبات وهو حقيقة قول الجهمية فإنهم لم يثبتوا في نفس الأمر شيئا قديما البتة ... والمقصود هنا أن المعتزلة لما رأوا الجهمية قد نفوا أسماء الله الحسنى استعظموا ذلك وأقروا بالأسماء ولما رأوا هذه الطريق توجب نفي الصفات نفوا الصفات فصاروا متناقضين فإن إثبات حي عليم قدير سميع بصير بلا حياة ولا علم ولا قدرة ولا حكمة ولا سمع ولا بصر مكابرة للعقل كإثبات مصل بلا صلاة وصائم بلا صيام وقائم بلا قيام ونحو ذلك من الأسماء المشتقة كأسماء الفاعلين والصفات المعدولة عنها ولهذا ذكروا في أصول الفقه أن صدق الاسم المشتق كالحي والعليم لا ينفك عن صدق المشتق منه كالحياة والعلم وذكروا النزاع مع من ذكروه من المعتزلة كأبي علي وأبي هاشم.
وجاءت الأشعرية وتناقضت فقالت بإثبات الصفات الموافقة للدليل السمعي ونفي ماعدا ذلك مثل الغضب و الكلام والإستواء على العرش وغيرها .. وفي نفس الوقت هم متفقين على دليل الأعراض وحدوث الأجسام ومع ان العرض لا يبقى زمانين. فلا يتكلم بمشيئته وقدرته ولا يقوم به فعل اختياري يحصل بمشيئته وقدرته كخلق العالم وغيره لأنه من حلول الحوادث (الأعراض).
هذا بإختصار ثمرة علم الكلام والفلسفة.
بو الهذيل العلاف المعتزلي قال بفناء حركات اهل الجنة والنار ...
والجهم بن صفوان (زعيم الجهمية) قال بفناء الجنة والنار ...
بناء على هذه القواعد العرض لا يبقى زمانين ودليل الأعراض حدوث الأجسام ...
ما قصده المتكلمون بهذه الجملة هو ان العرض يفنى دائماً في كل لحظة ويعاد تكوينه فهم يرون ان الاعراض متغيرة ابداً لا توقف لتغيرها.
فقولهم العرض لايبقة زمانين يعني انه لايبقى على حاله بل يتغير، وحتى اذا كان كمه ثابتا فان كيفه قد يتغير مثل الحركة على سبيل المثال.
يبدو لي انهم قاسو الامر على الحركة وكيف ان الحركة (باعتبارها عرض) تكون متغيرة ما دام الجسم متحرك
هل هي صحيحة؟
طبعاً لا.
ـ[أبو إبراهيم الحائلي]ــــــــ[08 - 10 - 08, 08:24 ص]ـ
بارك الله في الإخوة جميعًا ..
أود أن أضيف:
أن هذه القاعدة والاعتبارات التي قامت عليها هي أمور ذهنية فقط لا يمكن أن تتصور في الخارج.
فعندما قال أهل الكلام: أن الجوهر الفرد (الذرة) وهو آخر جزء تصل إليه المادة من التجزء وأنها المادة التي لا تتجزأ ...
عندما قالوا هذا قالوا بأن الجوهر الفرد لا ينتقل من مكان إلى مكان وقالوا أيضاً أنه لا ينتقل من زمان إلى زمان فخرجوا بهذا الاعتبار وأنه لا يبقى زمانين.
فلون المادة يفنى في أقل جزء من الزمان وهو غير اللون -العرض- الذي هو واقع في الزمن الذي يليه.
- وفيما يظهر أن مناقشة ونسف آراء الفلاسفة في الهيولى هو الطريق لنسف كلام أهل الكلام في الجوهر الفرد.
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[09 - 10 - 08, 12:05 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
ـ[أبو إبراهيم الحائلي]ــــــــ[12 - 11 - 08, 09:09 م]ـ
وهذا كلام مهم في المسألة لشيخ الإسلام ابن تيمية (المجموع 16/ 275):
(و كذلك الذين قالوا بأن العرض لا يبقى زمانين خالفوا الحس و ما يعلمه العقلاء بضرورة عقولهم فإن كل أحد يعلم أن لون جسده الذي كان لحظة هو هذا اللون و كذلك لون السماء و الجبال و الخشب و الورق و غير ذلك
و مما ألجأهم إلى هذا ظنهم أنهما لو كانا باقيين لم يمكن إعدامهما فإنهم حاروا فى إفناء الله الأشياء إذا أراد أن يفنيها كما حاروا فى إحداثها و حيرتهم فى الإفناء أظهر هذا يقول يخلق فناء لا في محل فيكون ضدا لها فتفنى بضدها و هذا يقول يقطع عنها الأعراض مطلقا أو البقاء الذي لا تبقى إلا به فيكون فناؤها لفوات شرطها
ومن أسباب ذلك ظنهم أو ظن من ظن منهم أن الحوادث لا تحتاج إلى الله إلا حال إحداثها لا حال بقائها و قد قالوا إنه قادر على إفنائها فتكلفوا هذه الأقوال الباطلة وهؤلاء لا يحتجون على بقاء الرب بافتقار العالم إليه بل بأنه قديم و ما و جب قدمه إمتنع عدمه و إلا فالباقي حال بقائه لا يحتاج.
و هؤلاء شر من الذين سألوا موسى هل ينام ربك فضرب الله لهم المثل بالقارورتين لما أرق موسى ليالي ثم أمره بإمساك القارورتين فلما أمسكهما غلبه النوم فتكسرتا فبين الله له لو أخذته سنة أونوم لتدكدك العالم
و على رأي هؤلاء لو أخذته سنة أو نوم لم يعدم الباقى لكن منهم من يقول هو محتاج إلى إحداث الأعراض متوالية لأن العرض عنده لا يبقى زمانين فمن هذا الوجه يقول إذ لو أخذته سنة أو نوم لم تحدث الأعراض التى تبقى بها الأجسام لا لأن الأجسام في نفسها مفتقرة إليه فى حال بقائها عنده و كذلك يقولون إن الإرادة لا تتعلق بالقديم و لا بالباقي و كذلك القدرة عندهم لا تتعلق بالباقي و لا العجز يصح أن يكون عجزا عن الباقى و القديم عندهم لأن العجز عندهم إنما يكون عجزا عما تصح القدرة عليه.
و هؤلاء يقولون علة الإفتقار إلى الخالق مجرد الحدوث و آخرون من المتفلسفة يقولون هو مجرد الإمكان و يدعون أن القديم الأزلي الذي لم يزل و لا يزال هو مفتقر إلى الصانع فهذا يدعى أن الباقي المحدث لا يفتقر و هذا يدعي أن الباقي القديم يفتقر و كلا القولين فاسد كما قد بسط في مواضع).
¥