تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: أنه قد ثبت صراحة في عدد من الأحاديث الصحيحة في مبناها، الصريحة في معناها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – هو خاتم الأنبياء والرسل جميعا، بدلالة الألفاظ التالية: (ولكن لا نبي بعدي) (وأنا العاقب)، (فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)، (لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ) إلى غير ذلك من الأحاديث المشتهرة.

فمن يخالف هذه النصوص فقد حاد عن الشرع، وخالف كلمة المسلمين وإجماعهم، والله تعالى قد توعّد من قام بذلك بقوله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} (النساء: 115).

الثاني: معنى الختم في اللغة هو الانتهاء، لأن "ختم " وكل ما يرد لها دائما تكون آخر الشيء، كما قال ابن جريرة في تفسيره: " لا وجه للختم في كلام العرب إلا الطبع والفراغ" وهذا واضح وبين من كلام العرب.

فقد جاء في لسان العرب (12/ 163): " وخِتامُ القَوْم وخاتِمُهُم وخاتَمُهُم آخرُهم عن، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - خاتِمُ الأَنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام، والخاتِم والخاتَم من أَسماء النبي صلى الله عليه وسلم وفي التنزيل العزيز: {ما كان محمد أَبا أَحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتِمَ النبيّين}: أَي آخرهم ".

وفي تاج العروس (ص: 7687) ما نصّه: " والخاتم من كل شئ عاقبته وآخرته، و الخاتم آخر القوم كالخاتم، ومنه قوله تعالى: {وخاتم النبيين} أي آخرهم ".

وفي مختار الصحاح (1/ 71): " وخَتَمَ الله له بخير، وختم القرآن: بلغ آخره، واخْتَتَمَ الشيء ضد افتتحه، والخَاتَمُ: بفتح التاء وكسرها والخَيْتامُ و الخَاتَامُ: كله بمعنى، والجمع الخَوَاتِيمُ، و تَخَتَّمَ: لبس الخاتم، وخاتِمةُ الشيء آخره ".

وفي معجم المقاييس لابن فارس (2/ 200): " (ختم) الخاء والتاء والميم أصلٌ واحد، وهو بُلوغ آخِرِ الشّيء. يقال خَتَمْتُ العَمَل، وخَتم القارئ السُّورة. فأمَّا الخَتْم، وهو الطَّبع على الشَّيء، فذلك من الباب أيضاً؛ لأنّ الطَّبْع على الشيءِ لا يكون إلاّ بعد بلوغ آخِرِه، في الأحراز. والخاتَم مشتقٌّ منه؛ لأنّ به يُختَم، والنبي صلى الله عليه وسلم خاتَِمُ الأنبياء؛ لأنّه آخِرُهم ".

وجاء في تهذيب اللغة للأزهري: ((وقوله جلَّ وعزَّ:) مَا كانَ مُحَمّدٌ أبَا أحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ولكنَّ رسول اللهِ وخَاتِمَ النَّبِيِّين (معناه: آخر النَّبيِيِّن.)) (2/ 474).

الثالث: إذا كان بوسع أهل الباطل ادّعاء المجاز في قوله تعالى: {وخاتَم النبيّين} بالفتح، فلن يكون بوسعهم تأويل القراءات المتواترة والواردة بكسر التاء: {وخاتِم النبيّن} لا سيّما وأنها قراءة الجمهور عدا حفص، والأمر المعروف بين أهل التفسير أن اختلاف القراءة يعطي الكلام دلالة وتوسيعا في المعنى أو توضيح له، ولا يكون متناقضا فيما بين آياته {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (النساء/82)، وقراءة الجمهور نصٌّ في إثبات ختم النبوّة، فكيف يسعهم الإجابة عن ذلك؟.

الرابع: لو تأمّلنا سياق الآية لوجدنا فيه الدلالة على ختم النبوّة، وينفي معنى (الأفضليّة) الذي ذكروه، ذلك لأنّ الآية تدلّ على انقطاع نسل النبي – صلى الله عليه وسلم – من الذكور، لأن بنيه ماتوا صغاراً، وقد جرت العادة أن الرسل عليهم السلام لم يخل عمود أبنائهم من نبي، فلو كان له ولد بالغ مبلغ الرجال لكان نبياً، ولم يكن هو خاتم الأنبياء، فكان من المناسب أن يكون المعنى أنه عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء، ولذلك قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: " يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنا يكون بعده نبيا ".

أما لو جعلنا معنى (ختم النبوة) المذكور في الآية هو أفضليّة النبي – صلى الله عليه وسلم – على من عداه من الأنبياء والرّسل، فما العلاقة بين نفي الأبوّة المذكور في الآية وإثبات الأفضليّة له؟، لا شكّ أن المعنى سيختلّ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير