تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد حاول المتؤوّلون لمعنى (ختم النبوّة) الاستناد إلى حديث صحيح يظنّون أنّه دالٌّ على ما يدّعونه، وهو قول أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء وإن مسجده آخر المساجد) رواه مسلم، فقالوا: " معنى قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (آخر الأنبياء) هو نفس معنى قوله: (مسجده آخر المساجد) وهو الإشارة إلى الفضل والمكانة، فإننا نعلم أن مساجد كثيرة قد بُنيت بعد المسجد النبويّ، فيكون معنى الحديث: مسجده عليه الصلاة والسلام أفضل المساجد، وهو أفضل الأنبياء ".

وهذا التأويل غير مقبول، لأن معنى (آخِر) في لغة العرب تكون بمعنى الأخير، ولذلك سًمّيت الدار الآخرة بهذا الاسم، لأنّه لا دار بعدها، ولم يُعهد أبداً ورود لفظة (الآخِر) بمعنى (الأفضل).

أما التوجيه الذي وجّهوا به الحديث، فينفيه السياق، فإن الحديث يعقد المفاضلة بين المساجد الثلاثة، وهي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وهذه المساجد الثلاثة قد بُنيت على أيدي الأنبياء كما هو معلوم في التاريخ، ,وهذا أي مبنى المساجد يعني أي المساجد الثلاثة المذكورة سابقا لأن الألف واللام في قوله – صلى الله عليه وسلم -: (المساجد) ليست للجنس بل للعهد، ويدلّ على ذلك صراحة ما رواه البزّار عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء).

ومن شبهات أهل الباطل ما ذكروه عند قول النبي – صلى الله عليه وسلم – (ليس بيني وبينه نبيٌّ، يعني عيسى عليه السلام، وإنه نازلٌ) رواه أبو داود، فقالوا:كيف يكون النبي– صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء ,وقد أخبرنا أن المسيح عيسى عليه السلام سينزل، والمسيح نبي؟

وهذا الحديث لا يؤيدهم في شيء، بل هو حجة عليهم؛ لأن عيسى عليه السلام بعث نبيا قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - , ونزوله عليه السلام لا يسلبه نبوته، بل إن الأحاديث تشير أنه يوحى اليه من الله ,والمسيح كان نبيا قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ومن شبهاتهم كذلك زعمهم أن حديث" لوعاش لكان صديقا نبيا" عن إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم -، يدلّ على إمكانيّة وجود نبوّة بعده – صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم عند أهل اللغة أن لفظة (لو) لا تدلّ على إمكانيّة الحصول لأنها تفيد امتناع الجواب لامتناع الشرط، وذلك كقول المتخاصمين يوم القيامة: {قالوا لو هدانا الله لهديناكم} (إبراهيم: 21).

ثم إن هذا الأثر قد رُوي بطرق صحيحة عن الصحابة ما يدفع شبهة هؤلاء، فعن عبدالله ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: " لو قضي أن يكون بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي عاش ابنه، ولكن لا نبي بعده " رواه البخاري، وعن أنس رضي الله عنه قال: " رحمة الله على إبراهيم، لو عاش كان صديقا نبيا، و لكن لم يكن ليبقى؛ لأن نبيكم آخر الأنبياء " رواه أحمد وابن ماجة.

وكذا باقي شبههم فإنها إما ببتر الحديث أوبالإستدلال بالضعيف والموضوع، ومثال الثاني استدلالهم بخبر: (يا عباس، أنت خاتم المهاجرين، كما أنا خاتم النبيين) والحديث موضوع، وكذا الخبر: (أنا خاتم الأنبياء، وأنت يا علي خاتم الأولياء) ذكره الخطيب البغدادي وهو حديث باطل.

ومن مثال منهجهم الانتقائي للأحاديث انتقاء قول عائشة رضي الله عنها: "لا تقولوا لا نبي بعده، ولكن قولوا خاتم النبيين" , فالعبارة ليست حديثا مرفوعا , وليس فيه نفيٌ لختم النبوّة، وإنما قالته لدفع إنكار نزول عيسى عليه السلام، يدلّ على ذلك ما ذُكر عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، فقد قال رجل عنده: " صلى الله على محمد خاتم الأنبياء، لا نبي بعده "، فقال المغيرة: "حسبك إذا قلت خاتم الأنبياء، فإنا كنا نحدث أن عيسى عليه السلام خارج، فإن هو خرج فقد كان قبله وبعده " رواه الطبراني في الكبير، فكيف يستدل بمثل هذا الحديث على بعث أنبياء جدد بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير