والأول: هو المأثور عن السلف وهو الذي ذكره البخاري في كتاب خلق أفعال العباد عن العلماء مطلقا , ولم يذكر فيه نزاعا وكذلك ذكره البغوى وغيره مذهب أهل السنة ,وكذلك ذكره أبو على الثقفى والضبعى وغيرهما من أصحاب ابن خزيمة فى العقيدة التي اتفقوا هم وابن خزيمة على أنها مذهب أهل السنة ,وكذلك ذكره الكلاباذى فى كتاب التعرف لمذهب التصوف أنه مذهب الصوفية ,وهو مذهب الحنفية وهو مشهور عندهم وبعض المصنفين في الكلام كالرازي ونحوه ينصب الخلاف في ذلك معهم فيظن الظان أن هذا مما انفردوا به ,وهو قول السلف قاطبة وجماهير الطوائف ,وهو قول جمهور أصحاب أحمد متقدموهم كلهم وأكثر المتأخرين منهم وهو أحد قولى القاضى أبى يعلى ,وكذلك هو قول أئمة المالكية والشافعية وأهل الحديث وأكثر أهل الكلام كالهشامية أو كثير منهم والكرامية كلهم وبعض المعتزلة , وكثير من أساطين الفلاسفة متقدميهم ومتأخريهم ().
وقال: والمقصود هنا أن الناس متنازعون في جنس الحركة العامة التى تتناول ما يقوم بذات الموصوف من الأمور الاختيارية كالغضب والرضا والفرح وكالدنو والقرب والاستواء والنزول بل والأفعال المتعدية كالخلق والإحسان وغير ذلك على ثلاثة أقوال.
أحدها: قول من ينفى ذلك مطلقا وبكل معنى فلا يجوز أن يقوم بالرب شيء من الأمور الاختيارية فلا يرضى على أحد بعد أن لم يكن راضيا عنه ولا يغضب عليه بعد أن لم يكن غضبان ولا يفرح بالتوبة بعد التوبة ولا يتكلم بمشيئته وقدرته إذا قيل إن ذلك قائم بذاته.
وهذا القول أول من عرف به هم الجهمية والمعتزلة وانتقل عنهم إلى الكلابية والأشعرية والسالمية ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة كأبى الحسن التميمى ...
والقول الثاني: إثبات ذلك وهو قول الهشامية والكرامية وغيرهم من طوائف أهل الكلام الذين صرحوا بلفظ الحركة.
وأما الذين أثبتوها بالمعنى العام حتى يدخل في ذلك قيام الأمور والأفعال الاختيارية بذاته؛فهذا قول طوائف غير هؤلاء كأبى الحسين البصرى وهو اختيار أبى عبدالله بن الخطيب الرازى وغيره من النظار وذكر طائفة أن هذا القول لازم لجميع الطوائف.
وذكر عثمان بن سعيد الدارمى إثبات لفظ الحركة في كتاب نقضه على بشر المريسى ونصره على أنه قول أهل السنة والحديث ,وذكره حرب بن إسماعيل الكرمانى لما ذكر مذهب أهل السنة والأثر عن أهل السنة والحديث قاطبة ,وذكر ممن لقي منهم على ذلك أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه وعبدالله بن الزبير الحميدى وسعيد بن منصور وهو قول أبى عبدالله بن حامد وغيره.
وكثير من أهل الحديث والسنة يقول المعنى صحيح لكن لا يطلق هذا اللفظ لعدم مجيء الأثر به كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر وغيره في كلامهم على حديث النزول.
والقول المشهور عن السلف عند أهل السنة والحديث هو الإقرار بما ورد به الكتاب والسنة من أنه يأتي وينزل وغير ذلك من الأفعال اللازمة ().
إثبات كلام الله بمشيئته واختياره
وقال: والإطلاقات قد توهم خلاف المقصود فيقال: إن أردت بقولك محدث إنه مخلوق منفصل عن الله كما يقوله الجهمية والمعتزلة والنجارية فهذا باطل لا نقوله وان أردت بقولك أنه كلام تكلم الله به بمشيئته بعد أن لم يتكلم به بعينه وإن كان قد تكلم بغيره قبل ذلك مع أنه لم يزل متكلما إذا شاء؛فإنا نقول بذلك وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة وهو قول السلف وأهل الحديث ,وإنما ابتدع القول الآخر الكلابية والأشعرية ولكن أهل هذا القول لهم قولان:
أحدهما: أنه تكلم بعد أن لم يكن متكلما وإن كان قادرا على الكلام كما أنه خلق السموات والأرض بعد أن لم يكن خلقهما وإن كان قادرا على الخلق وهذا قول الكرامية وغيرهم ممن يقول أنه تحله الحوادث بعد أن لم تكن تحله وقول من قال أنه محدث يحتمل هذا القول وإنكار أحمد يتوجه إليه.
والثانى: أنه لم يزل متكلما يتكلم إذا شاء وهذا هو الذي يقوله من يقوله من أهل الحديث.
وأصحاب هذا القول قد يقولون إن كلامه قديم وأنه ليس بحادث ولا محدث فيريدون نوع الكلام إذ لم يزل يتكلم إذا شاء ,وإن كان الكلام العينى يتكلم به إذا شاء ومن قال ليست تحل ذاته الحوادث فقد يريد به هذا المعنى بناء على أنه لم يحدث نوع الكلام في كيفية ذاته
¥