مجموع الفتاوى (9
213)
وقال: واذا اتسعت العقول وتصوراتها اتسعت عباراتها وإذا ضاقت العقول والعبارات والتصورات بقى صاحبها كأنه محبوس العقل واللسان كما يصيب أهل المنطق اليونانى تجدهم من أضيق الناس علما وبيانا وأعجزهم تصورا وتعبيرا ولهذا من كان ذكيا إذا تصرف فى العلوم وسلك مسلك أهل المنطق: طول وضيق وتكلف وتعسف وغايته بيان البين وإيضاح الواضح من العي وقد يوقعه ذلك فى أنواع من السفسطة التى عافى منها من لم يسلك طريقهم.
مجموع الفتاوى (9
158)
وقال: ثم إن الفلالسفة أصحاب هذا المنطق البرهانى الذى وضعه أرسطو وما يتبعه من الطبيعى والإلهى ليسوا أمة واحدة بل أصناف متفرقون, وبينهم من التفرق والاختلاف مالا يحصيه إلا الله, أعظم مما بين الملة الواحدة كاليهود والنصارى أضعافا مضاعفة فإن القوم كلما بعدوا عن أتباع الرسل والكتب كان أعظم فى تفرقهم واختلافهم ... .
مجموع الفتاوى (9
229)
وقال: ولا يجوز لعاقل أن يظن أن الميزان العقلى الذي أنزله الله هو منطق اليونان لوجوه:
أحدهما: أن الله أنزل الموازين مع كتبه قبل أن يخلق اليونان من عهد نوح وإبراهيم وموسى وغيرهم وهذا المنطق اليوناني وضعه أرسطو قبل المسيح بثلاثمائة سنة فكيف كانت الأمم المتقدمة تزن به.
الثانى: أن أمتنا أهل الإسلام ما زالوا يزنون بالموازين العقلية ,ولم يسمع سلفا بذكر هذا المنطق اليونانى ,وإنما ظهر في الإسلام لما عربت الكتب الرومية فى عهد دولة المأمون أو قريبا منها.
الثالث: أنه ما زال نظار المسلمين بعد أن عرب وعرفوه يعيبونه ويذمونه ولا يلتفتون إليه ولا إلى أهله فى موازينهم العقلية والشرعية ,ولا يقول القائل ليس فيه مما انفردوا به إلا اصطلاحات لفظية وإلا فالمعانى العقلية مشتركة بين الأمم فإنه ليس الأمر كذلك بل فيه معانى كثيرة فاسدة.
ثم هذا جعلوه ميزان الموازين العقلية التى هى الأقيسة العقلية ,وزعموا أنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن أن يزل في فكره وليس الأمر كذلك فإنه لو احتاج الميزان إلى ميزان لزم التسلسل.
و أيضا فالفطرة إن كانت صحيحة وزنت بالميزان العقلي ,وإن كانت بليدة أو فاسدة لم يزدها المنطق إلا بلادة وفسادا ,ولهذا يوجد عامة من يزن به علومه لابد أن يتخبط ولا يأتى بالأدلة العقلية على الوجه المحمود ومتى أتى بها على الوجه المحمود أعرض عن اعتبارها بالمنطق لما فيه من العجز والتطويل وتبعيد الطريق وجعل الواضحات خفيات وكثرة الغلط والتغليط فإنهم إذا عدلوا عن المعرفة الفطرية العقلية للمعينات إلى أقيسة كلية وضعوا ألفاظها وصارت مجملة تتناول حقا وباطلا حصل بها من الضلال ما هو ضد المقصود من الموازين وصارت هذه الموازين عائلة لا عادلة وكانوا فيها من المطففين {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} وأين البخس فى الأموال من البخس في العقول والأديان مع أن أكثرهم لا يقصدون البخس بل هم بمنزلة من ورث موازين من أبيه يزن بها تارة له وتارة عليه ولا يعرف أهي عادلة أم عائلة.
مجموع الفتاوى (9
243)
وقال:والمقصود هنا أن ابن سينا أخبر عن نفسه أن أهل بيته وأباه وأخاه كانوا من هؤلاء الملاحدة ,وأنه إنما اشتغل بالفلسفة بسبب ذلك؛فإنه كان يسمعهم يذكرون العقل والنفس.
وهؤلاء المسلمون الذين ينتسب اليهم هم مع الإلحاد الظاهر والكفر الباطن أعلم بالله من سلفه الفلاسفة كأرسطو واتباعه فإن أولئك ليس عندهم من العلم بالله إلا ما عند عباد مشركى العرب ما هو خير منه ...
وابن سينا لما عرف شيئا من دين المسلمين ,وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة وعمن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة أراد أن يجمع بين ما عرفه بعقله من هؤلاء وبين ما أخذه من سلفه ومما أحدثه مثل كلامه فى النبوات وأسرار الآيات والمنامات بل وكلامه فى بعض الطبيعيات وكلامه فى واجب الوجود ونحو ذلك وإلا فأرسطو وأتباعه ليس فى كلامهم ذكر واجب الوجود ولا شىء من الأحكام التى لواجب الوجود وإنما يذكرون العلة الأولى ويثبتونه من حيث هو علة غائية للحركة الفلكية يتحرك الفلك للتشبه به.
¥