تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقال لهم هذا التركيب إما أن يكون في الخارج أو في الذهن؛فإن كان في الخارج فليس في الخارج نوع كلي يكون محدودا بهذا الحد إلا الأعيان المحسوسة والأعيان في كل عين صفة يكون نظيرها لسائر الحيوانات كالحس والحركة الإرادية, وصفة ليس مثلها لسائر الحيوان وهي النطق ,وفي كل عين يجتمع هذان الوصفان كما يجتمع سائر الصفات والجواهر القائمة لأمور مركبة من الصفات المجعولة لها.

وإن أردتم بالحيوانية والناطقية جوهرا فليس في الإنسان جوهران أحدهما حي والآخر ناطق بل هو جوهر واحد له صفتان؛فإن كان الجوهر مركبا من عرضين لم يصح وإن كان من جوهر عام وخاص فليس فيه ذلك فبطل كون الحقيقة الخارجة مركبة.

وإن جعلوها تارة جوهرا وتارة صفة كان ذلك بمنزلة قول النصارى في الأقانيم وهو من أعظم الأقوال تناقضا باتفاق العلماء.

وإن قالوا المركب الحقيقة الذهنية المعقولة!

قيل أولا: تلك ليست هي المقصودة بالحدود إلا أن تكون مطابقة للخارج؛فإن لم يكن هناك تركيب لم يصح أن يكون في هذه تركيب وليس في الذهن إلا تصور الحي الناطق وهو جوهر واحد له صفتان كما قدمنا فلا تركيب فيه بحال.

مجموع الفتاوى (9

56)

وقال أيضا: إن في الصفات الذاتية المشتركة والمختصة كالحيوانية والناطقية إن أرادوا بالاشتراك أن نفس الصفة الموجودة في الخارج مشتركة؛ فهذا باطل إذ لا اشتراك في المعينات التي يمنع تصورها من وقوع الشركة فيها.

وإن أرادوا بالاشتراك أن مثل تلك الصفة حاصلة للنوع الآخر.

قيل لهم لا ريب أن بين حيوانية الإنسان وحيوانية الفرس قدرا مشتركا ,وكذلك بين صوتيهما وتمييزهما قدرا مشتركا؛فإن الإنسان له تمييز وللفرس تمييز ولهذا صوت هو النطق ولذاك صوت هو الصهيل؛فقد خص كل صوت باسم يخصه؛فإذا كان حقيقة أحد هذين يخالف الآخر ويختص بنوعه؛فمن أين جعلتم حيوانية أحدهما مماثلة لحيوانية الآخر في الحد والحقيقة.

وهلا قيل أن بين حيوانيتهما قدرا مشتركا ومميزا كما أن بين صوتيهما كذلك ,وذلك أن الحس والحركة الإرادية إما أن توجد للجسم أو للنفس؛فإن الجسم يحس ويتحرك بالإرادة والنفس تحس وتتحرك بالإرادة ,وإن كان بين الوصفين من الفرق ما بين الحقيقتين وكذلك النطق هو للنفس بالتمييز والمعرفة والكلام النفساني وهو للجسم أيضا بتمييز القلب ومعرفته والكلام اللساني؛فكل من جسمه ونفسه يوصف بهذين الوصفين وليست حركة نفسه وإرادتها ومعرفتها ونطقها مثل ما للفرس وإن كان بينهما قدر مشترك ,وكذلك ما يقوم بجسمه من الحس والحركة الإرادية ليس مثل ما للفرس وإن كان بينهما قدر مشترك؛فإن الذي يلائم جسمه من مطعم ومشرب وملبس ومنكح ومشموم ومرئي ومسموع بحيث يحسه ويتحرك إليه حركة إرادية ليس هو مثل ما للفرس.

فالحس والحركة الإرادية هي بالمعنى العام لجميع الحيوان وبالمعنى الخاص ليس إلا للإنسان ,وكذلك التمييز سواء ,ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبد الرحمن وأصدق الأسماء حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة. رواه مسلم

فالحارث هو العامل الكاسب المتحرك والهمام هو الدائم الهم الذي هو مقدم الإرادة؛ فكل إنسان حارث فاعل بإرادته ,وكذلك مسبوق بإحساسه؛فحيوانية الإنسان ونطقه كل منهما فيه ما يشترك مع الحيوان فيه ,وفيه ما يختص به عن سائر الحيوان وكذلك بناء بنيته فإن نموه واغتذاءه ,وإن كان بينه وبين النبات فيه قدر مشترك فليس مثله هو ,إذ هذا يغتذى بما يلذ به ويسر نفسه وينمو بنمو حسه وحركته وهمه وحرثه وليس النبات كذلك.

وكذلك أصناف النوع وأفراده فنطق العرب بتمييز قلوبهم وبيان ألسنتهم أكمل من نطق غيرهم؛حتى ليكون في بني آدم من هو دون البهائم في النطق والتمييز ومنهم من لا يدرك نهايته.

وهذا كله يبين اشتراك أفراد الصنف وأصناف النوع وأنواع الجنس والأجناس السافلة في مسمى الجنس الأعلى ([8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=865987#_ftn8)) لا يقتضي أن يكون المعنى المشترك فيها بالسواء كما أنه ليس بين الحقائق الخارجة شيء مشترك ولكن الذهن فهم معنى يوجد في هذا ويوجد نظيره في هذا ,وقد تبين أنه ليس نظيرا له على وجه المماثلة لكن على وجه المشابهة وأن ذلك المعنى المشترك هو في أحدهما على حقيقة تخالف حقيقة ما في الآخر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير