الخامس: زعمهم أن البديهية والفطرة قد تحكم بما يتبين لها بالقياس فساده غلط قال: لأن القياس لا بد له من مقدمات بديهية فطرية؛فإن جوز أن تكون المقدمات الفطرية البديهية غلطا من غير تبيين غلطها إلا بالقياس لكان قد تعارضت المقدمات الفطرية بنفسها ,ومقتضى القياس الذي مقدماته فطرية فليس رد هذه المقدمات الفطرية لأجل تلك بأولى من العكس بل الغلط فيما تقل مقدماته أولى فما يعلم بالقياس وبمقدمات فطرية أقرب إلى الغلط مما يعلم بمجرد الفطرة.
مجموع الفتاوى (9
13)
السادس:الفرق بين البديهي والنظري أمر نسبي محض
قال رحمه الله: هم معترفون بما لا بد منه من أن التصديقات منها بديهي ومنها نظري ,وأنه يمتنع أن تكون كلها نظرية لافتقار النظري إلى البديهي
وإذا كان كذلك فالفرق بين البديهي والنظري إنما هو بالنسبة والإضافة فقد يبده هذا من العلم ويبتدى في نفسه ما يكون بديهيا له ,وإن كان غيره لا يناله إلا بنظر قصير أو طويل بل قد يكون غيره يتعسر عليه حصوله بالنظر.
وقد تقدم التنبيه على هذا في التصورات لكن نزيده هنا دليلا يختص هذا فنقول
البديهي من التصديقات هو ما يكفى تصور طرفيه موضوعه ومحموله في حصول تصديقه فلا يتوقف على وسط يكون بينهما ,وهو الدليل الذي هو الحد الأوسط سواء كان تصور الطرفين بديهيا أو لم يكن.
ومعلوم أن الناس يتفاوتون في قوى الأذهان أعظم من تفاوتهم في قوى الأبدان فمن الناس من يكون في سرعة التصور وجودته في غاية يباين بها غيره مباينة كبيرة ,وحينئذ فيتصور الطرفين تصورا تاما بحيث تتبين بذلك التصور التام اللوازم التي لا تتبين لغيره الذي لم يتصور الطرفين التصور التام.
وذلك أن من الناس من يكون لم يتصور الطرفين إلا ببعض صفاتهما المميزة فيكون من تصورهما ببعض صفاتهما المشتركة مع ذلك سواء سميت ذاتية أو لم تسم عالما بثبوت تلك الصفات لهما وثبوت كثير مما يكون لازما لهما بخلاف من لم يتصور إلا الصفات المميزة.
الرد على المنطقيين (89)
السابع:اختلاف أحوال الناس في احتياجهم وعدم احتياجهم إلى الدليل
قال:وأما كون الوسط () الذي هو الدليل قد يفتقر إليه في بعض القضايا بعض الناس دون بعض فهذا أمر بين؛فإن كثيرا من الناس تكون القضية عنده حسية أو مجربة أو برهانية أو متواترة ,وغيره إنما عرفه بالنظر والاستدلال.
ولهذا كثير من الناس لا يحتاج في ثبوت المحمول للموضوع إلى دليل لنفسه بل لغيره ويبين ذلك لغيره بأدلة هو غنى عنها حتى يضرب له أمثالا ويقول له أليس كذا أليس كذا ويحتج عليه من الأدلة العقلية والسمعية بما يكون حدا أوسط عند المخاطب مما لا يحتاج إليه المستدل بل قد يعلم الشئ بالحس ويستدل على ثبوته لغيره بالدليل.
وهذا أكبر من أن يحتاج الى تمثيل؛فما أكثر من يرى الكواكب ويرى الهلال وغيره فيقول قد طلع الهلال وتكون هذه القضية له حسية ,وقد تكون عند غيره مشكوكا فيها أو مظنونة أو خبرية بل قد يظنها كذبا إذا صدق المنجم الخارص القائل إنه لا يرى.
الرد على المنطقيين (91)
الثامن: قال: إذا كان البرهان لا يفيد إلا العلم بالكليات والكليات إنما تتحقق فى الأذهان لا فى الأعيان وليس فى الخارج إلا موجود معين لم يعلم بالبرهان شىء من المعينات فلا يعلم به موجود أصلا بل انما يعلم به أمور مقدرة فى الأذهان.
مجموع الفتاوى (9
124) والرد على المنطقيين (125)
التاسع:قالوا: القياس لا بد له من قضية كلية ,ومباديء القياس عندهم هي العلوم اليقينية وهي الحسيات الباطنة والظاهرة والعقليات والبديهيات والمتواترات والمجربات ,وعند التحقيق ليس فيما ذكروه من هذه المواد قضايا كلية – بيان ذلك -
قال رحمه الله: إن القياس المذكور لا يفيد علما إلا بواسط قضية كلية موجبة فلابد من كلية جامعة ثابتة فى كل قياس ,وهذا متفق عليه معلوم أيضا ,ولهذا قالوا لا قياس عن سالبتين ولا عن جزئيتين ,وإذا كان كذلك وجب أن تكون العلوم الكلية الكلمات الجامعة هى أصول الأقيسة والأدلة وقواعدها التى تبنى عليها وتحتاج إليها.
ثم قالوا: إن مبادىء القياس البرهانى هى العلوم اليقنبية التى هى الحسيات الباطنة والظاهرة والعقليات والبديهيات والمتواترات والمجربات وزاد بعضهم الحدسيات وليس فى شىء من الحسيات الباطنية والظاهرة قضايا كلية
¥