ثانيا: بيان السبب في الأمر بتركه (عدم قتله) ورد في بعض طرقه (كما ذكر ابن حجر)، فأخرج أحمد والطبري من طريق بلال بن بقطر عن أبي بكرة، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمويل فقعد يقسمه فأتاه رجل وهو على تلك الحال، فذكر الحديث وفيه فقال: أصحابه ألا تضرب عنقه، فقال: لا أريد أن يسمع المشركون أني أقتل أصحابي، وهو نفس السبب في عدم قتله صلى الله عليه وسلم للمنافقين مع علمه بأعيانهم، وفهم البخاري ذلك من باب المصلحة والتألف.
والكف عن قتل من يعتقد الخروج على الإمام يكون ما لم ينصب لذلك حربا أو يستعد لذلك، لقوله: "فإذا خرجوا فاقتلوهم"، وحكى الطبري الإجماع على ذلك في حق من لا يكفر لاعتقاده، وأسند عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب في الخوارج بالكف عنهم ما لم يسفكوا دما حراما أو يأخذوا مالا، فإن فعلوا فقاتلوهم ولو كانوا ولدي ...
وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السنة إلى أن الخوارج فسّاق وأن حُكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام ... / ابن حجر في كتاب المغازي.
ثالثا: قوله: "لئن أدركتهم لأقتلتهم" مع أنه نهى خالدا (أو عمر) عن قتل أصلهم، وأجيب بأنه أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف، ولم يكن ظهر ذلك في زمانه، وأول ما ظهر في زمان علي كما هو مشهور.
رابعا: في رواية أبي سعيد أنه أمر أبا بكر ثم عمر ثم علي بقتله، مع أنه نهى عن قتله أولا، ويمكن الجمع بأن تكون القصة الثانية متراخية عن الأولى وأذن صلى الله عليه وسلم في قتله بعد أن منع منه لزوال علة المنع وهي التألف، فكأنه استغنى عنه بعد انتشار الإسلام، كما نهى عن الصلاة على من ينسب إلى النفاق بعد أن كان يجري عليهم أحكام الإسلام قبل ذلك، وكأن أبا بكر وعمر تمسكا بالنهي الأول عن قتل المصلين، وحملا الأمر هنا على قيد أن لا يكون لا يصلي فلذلك عللا عدم القتل بوجود الصلاة، أو غلبا جانب النهي / ابن حجر.
ومن فقه الحديث:
أولا: حكم قتلهم وقتالهم قال ابن حجر ناقلا: إذا أظهروا رأيهم ونصبوا للناس القتال وجب قتالهم ... فلا يجوز ترك قتالهم إذا هم أظهروا رأيهم وتركوا الجماعة وخالفوا الأئمة مع القدرة على قتالهم.
ثانيا: أن قياس الشبه جائز وهو ما ذهب إليه جمهور الأصوليين؛ وحدَّه الزركشي (ناقلاً) بـ "إلحاق فرع بأصل لكثرة إشباهه للأصل في الأوصاف من غير أن يعتقد أن الأوصاف التي شابه الفرع بها الأصل علة حكم الأصل" (إرشاد الفحول 2/ 136).
من أدلة إبطاله (عند مبطليه): قوله تعالى: "قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ" فلم يجمعوا بين الأصل والفرع بعلة ولا دليلها وإنما ألحقوا أحدهما بالآخر من غير دليل جامع سوى مجرد الشبه الجامع بينه وبين يوسف، فقالوا: هذا مقيس على أخيه بينهما شبه من وجوه عديدة وذاك قد سرق فكذلك هذا، وهذا هو الجمع بالشبه الفارغ، والقياس بالصورة المجردة عن العلة المقتضية للتساوي، وهو قياس فاسد والتساوي في قرابة الأخوة ليس بعلة للتساوي في السرقة لو كانت حقا ولا دليل على التساوي فيها فيكون الجمع لنوع شبه خال عن العلة ودليلها (إعلام الموقعين 1/ 148)؛ ومثله قوله تعالى: "مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا" وقوله أيضا: "إنما البيع مثل الربا".
وهذا القياس بالصورة المجردة باطل فعلا، وهو غير قياس الشَبه الصوري الذي نعنيه.
أدلة إعماله أكثر من أن تحصى أصرحها قوله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" الحديث عند أحمد.
ومنها الحديث المذكور؛ فقوله: "آيتهم" أو "سيماهم" بمعنى عَلَامَتَهُمْ، أصلها سِيمَا وسِيمَيَا، وفي الحديث "قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِغَيْرِكُمْ مِنْ الْأُمَمِ؛ تَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ"، والعلامة صفات خلْقية وخلُقية فالصفات الخلْقية تحيلنا إلى الشَبَه الصوري؛ أما الخلُقية فللشبه الحكمي.
وعليه يكون لذكر بعض أوصافهم - وإن لم تكن عقيدة فهي قطعا من الخلاف بيننا وبينهم - شيء من الفائدة أهمها: اجتنابها، وأدناها: أن تكون أمارات على أصحابها، إذا اجتمعت في ناس كانوا حقيقة النبوءة وواقعها، والمُكثِر شابَهَ ولم يكن من أهلها. قال ابن القيم في كتابه القيم الصواعق المرسلة (1/ 308): "ومن اعترض على الكتاب والسنة بنوع تأويل من قياس أو ذوق أو عقل أو حال ففيه شبه من الخوارج" ــ
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[19 - 10 - 08, 11:26 م]ـ
يتلخص أن الحديث على أقل تقدير مستفيض عن الصحابة رضي الله عنهم، وإذا أضفنا إليه أحاديث الباب لتواتر عند الناس.
والتواتر لا يدفعه عاقل، بلْه المتديِّن الذي لديه ضمير يؤنبه.
ولقد ورد في مسند الحبيب بن الربيع الإباضي (نسخة الكترونية) عن أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول: "يخرج قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم، يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، تنظر في النصل فلا ترى شيئا، ثم تنظر في الريش فلا ترى شيئا، وتتمارى في الفوق" / الحديث رقم (36)
فلا نختلف - والحمد لله - في صحة نسبة الحديث إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ فالاتفاق على الأصل مهم.
¥