ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[11 - 03 - 09, 06:26 م]ـ
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[11 - 03 - 09, 06:27 م]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
من صفاتهم المهلكة:
ويمكن أن نسميه رباعي الخوارج: المبالغة، الشدة، التعمق، الجهل.
أما الشدة والجهل فقد تقدمت الإشارة إليهما، وكلاهما سببه الطبيعي التبدّي في الصحاري والجبال، وسببه الكسبي الانعزال عن مجالس العلم ومشاهد الخير.
وما أبلغ الشافعي حين يصف الجاهل السفيه:
ومنزلة السفيه من الفقيه ... كمنزلة الفقيه من السفيه
فهذا زاهد في قرب هذا ... وهذا فيه أزهد منه فيه
إذا غلب الشقاء على سفيه ... تنطع في مخالفة الفقيه
ولقد بوّب إمام الفقه بالسنة محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه الجامع: باب العلم قبل القول والعمل، وأبلغ رحمه الله إذ جعل بابا سماه: باب الفهم في العلم.
أما المبالغة فهي من البدع لقوله: ((من رغب عن سنتي فليس مني))، ولقد مدح الرفقَ وأهلَه، ووصف الشريعة بأنها سهلة سمحة، ومن آثار السلف: الاقتصاد في سنة خير من الاجتهاد في بدعة.
ولننظر إلى ابن عباس كيف يصف الخوارج: "فدخلت على قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادا، جباههم قَرِحة من السجود، وأياديهم كأنها ثَفِن الإبل، وعليهم قُمُصٌ مرحَّضة (مغسّلة جدا)، مشمِّرين، مُسْهَمة (أي: متغيرة متوهجة، أو معلّمة) وجوههم من السهر"!
وانظر ما قال مولى عروة بن أُديَّة الخارجيِّ واصفا مولاه: ما أتيتُه بطعام بنهارٍ قط، ولا فرشتُ له فِراشا بليل قطّ!
أما التعمق فلا أدل عليه من نافع بن الأزرق الخارجي؛ حيث له مسائل مع ابن عباس مشهورة، جمعها المبرّد في كامله، وهذا طرَفٌ منها يتضح به المقصود (3/ 1144 - 1152):
من أخبار نافع بن الأزرق:
يروى عن أبي الجلد أنه نظر إلى نافع بن الأزرق الحنفي وإلى نظره وتوغله وتعمقه، فقال: إني لأجد لجهنم سبعة أبواب، وإن أشدها حراً للخوارج، فاحذر أن تكون منهم.
قال: وكان نافع بن الأزرق ينتجع عبد الله بن العباس فيسأله، فله عنه مسائل من القرآن وغيره، قد رجع إليه في تفسيرها، فقبله وانتحله، ثم غلبت عليه الشقوة، ونحن ذاكرون منها صدراً إن شاء الله.
حدث أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي النسابة، عن أسامة بن زيد، عن عكرمة، قال: رأيت عبد الله بن العباس وعنده نافع بن الأزرق وهو يسأله، ويطلب منه الاحتجاج باللغة، فسأله عن قول الله جل ثناؤه: ?والليل وما وسق?؛ فقال ابن عباس: وما جمع، فقال: أتعرف ذلك العرب؟ فقال ابن عباس: أما سمعت قول الراجز:
إن لنا قلائصاً حقائقا ... مستوسقات لو يجدن سائقا
وروى أبو عبيدة في هذا الإسناد - وروى ذلك غيره، وسمعناه من غير وجه - أنه سأله عن قوله عز وجل: ?قد جعل ربك تحتك سريا?؛ فقال ابن عباس: هو الجدول، فسأله عن الشواهد، فأنشده:
سلماً ترى الدالج منها أزورا ... إذا يعج في السري هرهرا
وروى أبو عبيدة وغيره: أن نافعاً سأل ابن عباس عن قوله: ?عتل بعد ذلك زنيم?؛ ما الزنيم؟ قال: هو الدعي المُلْزَق، أما سمعت قول حسان بن ثابت:
زنيم تداعاه الرجال زيادة ... كما زيد في عرض الأديم الأكارع
ويروى عن غير أبي عبيدة أنه سأله عن قوله جل اسمه: ?والتفت الساق بالساق?؛ قال: الشدة بالشدة، فسأله عن الشاهد فأنشده:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
ويروى عن أبي عبيدة من غير وجه أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس فقال: أرأيت نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام، مع ما خوله الله وأعطاه، كيف عني بالهدهد على قلته وضؤولته؟ فقال له ابن عباس: إنه احتاج إلى الماء، والهدهد قناء، والأرض له كالزجاجة، يرى باطنها من ظاهرها، فسأل عنه لذلك، قال ابن الأزرق: قف يا وقاف كيف يبصر ما تحت الأرض، والفخ يغطى له بمقدار إصبع من تراب فلا يبصره حتى يقع فيه؟! فقال ابن عباس: ويحك يا ابن الأزرق! أما علمت أنه إذا جاء القدر عشي البصر.
ويروى من غير وجه أن ابن الأزرق أتى ابن عباس يوماً فجعل يسأله حتى أملَّه، فجعل ابن عباس يظهر الضجر، وطلع عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة على ابن عباس، وهو يومئذ غلام، فسلم وجلس، فقال له ابن عباس: ألا تنشدنا شيئاً من شعرك؟ فأنشده:
¥