تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- وفي التفسير: روى ابن عبد البر بإسناد صحيح عن أبو سفيان الحميري قال: سألت هشيما عن تفسير القرآن كيف صار فيه اختلاف؟ قال: "قالوا برأيهم فاختلفوا".

هذا ديدن الخوارج، القول بالرأي في المتشابه، وإعراض عن السنة المبيِّنة، وهذا كله مبني على حديث موضوع، ذكره في مسند الربيع بن حبيب الإباضي تحت رقم (40)، وفيه: "إنكم ستختلفون من بعدي، فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فعني، وما خالفه فليس عني"، استنبطوا منه إعمال الرّأي المجرّد قبل السنّة، وهذا باطل مردود بحادثة وحديث بليغ عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله على أُبيّ بن كعب وهو يصلي، فقال رسول الله: ((يا أبيّ، فالتفت إليه ولم يجبه، وصلى وخفف، ثم انصرف إلى رسول الله فقال رسول الله: يا أبي ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ فقال: يا رسول الله كنت أصلي، قال: ألم تجد فيما أوحى الله إليّ أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم؟ قال: بلى يا رسول الله، ولا أعود إن شاء الله)).

وفيه أن أبيّ رضي الله عنه غلّب عموم النهي عن قطع الصلاة؛ فعلَّمنا من خلاله أن كل عموم مستفاد من الشريعة مخصص بقوله، فقطْع الصلاة حرام عموما إلا بخصوص إجابة رسول الله في حياته، وبخصوص ما أخرجت السنّة من هذا العموم.

ومما علق بالتفسير من فرط النّظر التعرض للآيات المحكمات الواضحات وتأويلها دون دليل يحتّم ذلك؛ قال معاذ بن جبل: "فما عرفتم فلا تسألوا عنه، وما شككتم فكلوه إلى عالمه" / ابن عبد البر في جامع العلم (ص: 982) وصححه الدارقطني في العلل.

وروى سعيد بن المسيب وأبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي: ((المراء في القرآن كفر)) (صححه ابن عبد البر في جامعه)، والمراء هنا بمعنى الشك وهو نتيجة حتمية للتعمّق والتمحّل.

ومما علق بالتفسير من تأويلات فاسدة أصلها التعمّق: القول فيه بمجرد الرّأي على طريقة الخوارج، والقول فيه بالخواطر، والتمادي في التفسير الإشاري، والقول فيه بالباطن وما شابه.

- وفي أصول الفقه: كثرت المزالق والحوالق، حتى وُجدت مصنفات لا ذكر فيها لآية ولا لحديث لإفراطها في المباحث العقلية والنظرية، ومن أمثلة ما علق بهذا الفن من تنطع:

· إجراء النصوص على مقتضى ما تنتجه العقول من أصول، والعكس هو الصحيح، كما اشتهر عن الشافعي قوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقال ابن القيّم (إعلام الموقعين 2/ 368): "أما أن نقعد قاعدة ونقول هذا الأصل، ثم ترد السنة لأجل مخالفة تلك القاعدة، فلعمر الله لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من رد حديث واحد".

· كذلك الكلام في الأصول مجرّدة عن الفروع، قال الشاطبي رحمه الله (الموافقات 1/ 37): "كل مسألة مرسومة في أصول الفقه لا ينبني عليها فروع فقهية أو آداب شرعية أو لات كون عونا في ذلك، فوضعها في أصول الفقه عارية". اهـ وقال الصنعاني في "الأجوبة المرضية" (126 - 127): "وأكثر مسائل الفن ظنية، وبعضها فضولية لا أصولية، كمسألة: هل للأمر بكونه أمرا صفة؟ وتطويلها وأدلتها والرد، وهي مسألة لا تفيد في الخارج فضلا عن كونها أصلا ينبني عليه غيره، ومسألة الأمر المطلق، وتقسيم الماهيات إلى ثلاث، فإنها مع دقتها قليلة الفائدة خارجًا أو عديمتها، وأكثر المسائل من هذا القبيل كما قال بعض أئمة الأصول - على بعض مسائله التي طال فيها الاستدلال واتسعت فيها الأقوال -: هذه مسألة طويلة الذيل قليلة النيل". اهـ وعلى هذا يخرج عن أصول الفقه كثير من المسائل: كمسألة ابتداء الوضع، ومسألة الإباحة؛ هل هي تكليف أم لا؟ ومسألة تكليف المعدوم، ومسألة هل كان النبي متعبدا بشرع أم لا؟ ومسألة لا تكليف إلا بفعل، وكذلك المسائل اللغوية والنحوية والصرفية والبلاغية الفرعية؛ لأنه يلزم من إدخالها في أصول الفقه إدخال الحساب والعدد ومصطلح الحديث لأنها أيضا أصول للفقه لكنها ليست بالمعنى الذي أراده واضعو العلم.

· كذلك من المسائل التي يندى لها الجبين الخلاف المبني على الاختلاف اللفظي، فوالله الذي لا إله غيره لأعظم الخلاف منه، كمسألة الحقيقة والمجاز، وكدليل الاستحسان، والاستصلاح، والقياس؛ وعليه لا بد من تمهيد كل ما يقدم عليه بتحقيق الألفاظ وتمحيصها لغةً واصطلاحا وعلى حد التاريخ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير