وجدنا ما يدل على خلافه، وان الكفر يكون بانكار الضروريات، كالوجود -وجود الخالق- والوحدانية والرسالة وما اشبه ذلك، أو بانكار الأحكام المجمع عليها اجماعا ظاهرا قطعيا، كوجوب اركان الاسلام الخمسة وما اشبهها، مع أن من أنكر ذلك جاهلا لم يكفر حتى يعرف تعريفا تزول معه الجهالة. فهذه الأمور التي يكفرون بها ليست ضروريات».
ويعترض الشيخ سليمان على مصادر شقيقه محمد واتباعه في الاستدلال الفقهي، فهؤلاء العلماء يقول سليمان، عدوا هذه الأشياء التي تثير الدعوة حولها ضجة كبرى، في المكروهات، كالتبرك والتمسح واخذ تراب القبور للتبرك والطواف بها، وقد قال صاحب كتاب الاقناع: «ويكره المبيت عند القبر وتجصيصه وتزويقه وتقبيله والطواف به وتبخيره وكتابة الرقاع إليه ودسها في الاثقاب والاستشفاء بالتربة من الاسقام لان ذلك كله من البدع» .. و «أنتم تكفرون -الناس- بهذه الأمور!».
وعن دعاء غير الله قال الشيخ سليمان: ان النبي صلى الله عليه وسلم امر ان تُدرأ الحدود بالشبهات، وقد روى الطبراني «ان اراد عونا فليقل يا عباد الله اعينوني» ذكر هذا الحديث الأئمة في كتبهم ولم ينكروه. قال عبدالله ابن الإمام أحمد بن حنبل: «سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج، فضللت الطريق في حجة، وكنت ماشيا، فجعلت أقول يا عباد الله دلونا على الطريق، فلم أزل اقول ذلك حتى وقعت على الطريق».
ثم يضيف الشيخ سليمان مستهجنا موقف دعاة الحركة من مثل هذه الممارسة: «اقول حيث كفّرتم من سأل غير الله في بر أو بحر، واستدللتم على ذلك بمفهومكم الذي لا يجوز لكم ولا لغيركم الاعتماد عليه .. أتظن دعاء الغائب كفراً بالضرورة ولم يعرفه أئمة الاسلام؟».
ويرى الشيخ سليمان ان فقه ابن تيمية اعقد من هذا المجال واكثر تفصيلاً مما يفهمه أتباع الحركة والمنهج السلفي وينقل عنه أنه قال: «من قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ولم تستحبه الشريعة فهو من المنكرات وبعضه أشد من بعض، سواء كان شجرة أو عيناً، أو قناة أو جبلاً أو مفازة .. فإن هذا النذر نذر معصية».
ثم ذكر- أي الشيخ بن تيمية- مواضع كثيرة، وقال «قد يدعون دعاء محرماً يحصل منه ذلك الغرض ويحصل لهم ضرر أعظم» ثم ذكر أنه يكون له حسنات تربو على ذلك فيعفو الله بها عنه.
ويقول الشيخ ابن تيمية فيما ينقل عنه الشيخ سليمان، «حكى لنا أن بعض المجاورين بالمدينة لقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- اشتهى عليه نوعاً من الأطعمة، فجاء بعض الهاشميين إليه، فقال إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث لك هذا، وقال اخرج من عندنا فإن من يكون عندنا لا يشتهي مثل هذا، ولكن عليك أن تعلم أن اجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو غيره لهؤلاء السائلين لا يدل على استحباب السؤال، وأكثر هؤلاء السائلين الملحين لما هم فيه من الحال، لو لم يجابوا لاضطرب إيمانهم، كما أن السائلين له في الحياة كانوا كذلك حتى أن بعض القبور يجتمع عندها في اليوم من السنة ويسافر اليها من الامصار في المحرم أو صفر أو عاشوراء أو غير ذلك».
وقد أشار الإمام «أحمد بن حنبل» إلى بعض هذا كالنذر في عيون الماء والشجر والمغارات، وذكر أن هذا من النذور الباطلة، «ولم يقل ان فاعل ذلك كافر مرتد حلال المال والدم كما قلتم»، ويضيف الشيخ سليمان: «إن هذه المواضع وهذه القبور ولم يقل لا هو- أي ابن حنبل- ولا أحد من أهل العلم انها بلاد كفر، كما كفرتم أهلها، بل كفرتم من لم يكفرهم»، ومن قبيل هذه الأمور سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- كالذي شكى له القحط ورآه في النوم، فأمره أن يأتي عمر، ولا يذكر أن عمر أنكر ذلك، «وأنتم تجعلون مثل هذا كافراً»!
ويقول الشيخ سليمان مكرراً إن مثل هذه النذور والأمور ازدادت حتى ملأت بلاد المسلمين، ولكن «لم يرد عن أحد من أئمة المسلمين أنهم كفروا- الناس أو المسلمين- بذلك، ولا قالوا هؤلاء مرتدون ولا أمروا بجهادهم، ولا سموا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم، بل كفرتم من لم يكفر بهذه الأفاعيل وإن لم يفعلها .. إن الأمة بأجمعها على طبقاتها من نحو ثمان مائة سنة ملأت هذه القبور بلادها، ولم يقولوا هذه عبادة الأصنام الكبرى، ولم يقولوا أن من فعل شيئا من هذه الأمور فقد جعل مع الله إلها آخر، ولم يجروا على أهلها حكم عُبّاد الأصنام ولا حكم المرتدين».
¥