أما الآخرون من أهل الكلام فيصطلحون على اصطلاحات آخري مختلفة:
فمنهم من يفسر الجسم بالمركب المؤلف
ومنهم من يفسره بالمتحيز ذي الأبعاد الثلاثة أو الاثنين
ومنهم من يفسره بالمركب من الجواهر المفردة.
ومنهم من يقول الجسم: هو المركب من الأعراض فقط.
ومنهم من يقول الجسم هو المركب من الهيولي والصورة كما تقوله الفلاسفة وغيرهم.
وعلى ذلك فهم جميعا ينفون بأن يكون الله سبحانه وتعالى جسما.
- والخلاف بينهم كبير ليس في معاني الجسم فقط بل في تفسير هذه المصطلحات التي قد يبدوا للناظر أنهم يتفقون في استعمال بعضها كلفظ التركيب والتحيز وفرض الأبعاد أو حصولها إلى غير ذلك مما سبق بيانه في المبحث السابق.
وبناءا على ماسبق فمن يتعرض للفظ الجسم نفيا وإثباتا فهو بناء على ما صطلحه من معنى.
فطائفة المثبتين يعارضون طائفة النفاة في قواعدهم الكلامية وحججهم العقلية التي نفوا بها صفات الباري سبحانه وتعالى وعطلوها بحجة أن إثباتها يلزم عنه التجسيم ولذا كان شيخ الاسلام يعارض حجج هؤلاء بحجج هؤلاء ليبطلها أو يبين تناقضها دون أن يلتزم بقول أي من الطائفتين بل ليبين أن ما اعتمدوا عليه من حجج العقول متناقضة ومخالفة لما عليه هدي الانبياه ومنهجهم في غثبات صفات الباري سبحانه،ولذا فقد عقب في نهاية كلامه بأن نفي هذا اللفظ وإثباته بإطلاق هو بدعة لم يتكلم بها السلف.
- وقول ابن تيمية أن طوائف من النظار قالوا: ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم صحيح حيث انهم يثبتون بلفظ الجسم هذه المعاني الصحيحة الفطرية ..
ولقد كان ابن تيمية رحمه الله دقيقا في قوله " طوائف من النظار" لان من النظار من أهل الكلام من يقول غير ذلك ..
فنحن أمام طائفتين من أهل الكلام وغيرهم طائفة المثبتين وطائفة النفاة المعطلين ..
وطائفة المثبتين على أقوال وخلاف فيما بينهم ليسوا على قول واحدولكن ليس هذا محل التفصيل في هذا
- وقوله مما هو مستقر في فطر العامة حيث أنهم فسروا الجسم بالمعاني الصحيحة السابقة وإن نوزعوا في جواز إطلاق هذا اللفظ.ودلالته ابتداءا على هذه المعاني ...
وهذا ما ذكره ابن تيمية في أكثر من موضع من كتابه الذي يزعم الأستاذ انه اطلع عليه اطلاعا لم يطلع عليه أتباعه!!
قال رحمه الله:
(ووجود موجود لا في جهة وجودية ولا جهة عدمية ممتنع عندهم في صريح العقل. ثم إن قول هؤلاء موافق لما عليه بنو آدم من الفطرة موافق لما جاء به الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها.)
فالمسالة في أصلها هي قضية المباينة والمحايثة ووجود موجود لا في جهة وامتناع ذلك وهذا يؤكده قوله في نهاية النقل:
(وكذلك أيضا الأئمة الكبار كالإمام أحمد في رده على الجهمية وعبد العزيز المكي في رده على الجهمية وغيرهما بينوا أن ما ادعاه النفاة من إثبات قسم ثالث ليس بمباين ولا محايث معلوم الفساد بصريح العقل وأن هذه من القضايا البينة التي يعلمها العقلاء بعقولهم).
فهذا الكلام لا يدع مجالا للشك أن القضية الفطرية والضرورية المذكرة في سياق الكلام هي قضية انحصار الموجودات في المباين والمحايث لا قضية أن الله جسم كما يريد الاستاذ فودة أن يصور للقارئ مستغلا ما يتقنه من فنون البتر والتقطيع وإيهام وتلبيس.
-فإذا تبن أن هذا النقل كالذي قبله ليس من كلام ابن تيمية في كتاب بيان التلبيس الذي يرد فيه على الرازي وإنما هو من كلامه في موضع آخر من فتاويه وبالتحديد من مجموع الفتاوى الجزء الخامس صفحة 295 وقد نقله المحقق للكتاب ليعالج السقط الحادث في الكتاب تبن ولذا تجده يصدر الكلام بقوله: (قال الشيخ) التي يتجاهلها الأستاذ في كل مرة ليدل على تحقيقه الواسع ونزاهته في النقل!!!
فما يعنيه شيخ الإسلام من كون الناس مفطورة عليه هو معاني الجسم الاصطلاحي الذي نقله عن طوائف النظار الذين قالوا ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم وأن الله جسم لا كالأجسام وقصدوا به الموجود القائم بنفسه البائن عن خلقه الذي ترفع إليه اليد في الدعاء إشارة إلى علوه على خلقه واستوائه على عرشه ...
¥