ب- والاحتجاج بجواز الوصية (11) به وتشبيهه بالحمار مردودٌ بالنصوصِ الصحيحةِ الصريحةِ بعدم حلِّيَّة ثمنه.
وما ذكره ابن عاصم المالكي في (تحفته) من قوله:
واتفقوا أنَّ كلابَ البادية يجوز بيعها ككلب ماشية
فقد ردَّه عليه رحمه الله علماءُ المالكية وقد قدَّمنا أنَّه قول سحنون.
جـ- واعلم أنَّ ما روي عن جابر وابن عمر مما يدل على جواز بيع كلب الصيد فكلُّه ضعيفٌ، كما بيَّن تضعيفَه ابنُ حجر في (فتح الباري [536 - 537]) في باب ثمن الكلب (12).
وقال ابن القيم - بعد أنْ ضعَّف الآثارَ الموقوفةَ على بعض الصحابة-:
ومثل هذه الآثار الساقطة المعلولة لا تقدَّم على الآثار التي رواها الأئمةُ الثقاتُ الأثباتُ حتى قال بعضُ الحفَّاظ: إنَّ نقلها نقلُ تواترٍ، وقد ظهر أنَّه لم يصحَّ عن صحابيٍّ خلافها ألبتة بل هذا جابر وأبو هريرة وابن عباس يقولون: (ثمن الكلب خبيث).ا. هـ (الزاد [5/ 767]).
فائدة:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وعجيبٌ ممن يتكلم عن الحديث فيرد ما فيه صريحاً بالأمر المحتمل، وما سبب ذلك إلا إيثار الراحة بترك تتبع طرق الحديث، فإنها توصل إلى الوقوف على المراد غالباً ا. هـ (الفتح [4/ 275]).
3 - إن اضطر صاحبُ ماشيةٍ، أو زرعٍ أو دارٍ بعيدةٍ إلى كلبٍ ولم يجد إلا أنْ يشتريَ مِن آخر، فما الحكم؟
الجواب: أنَّ الإثم على الآخذ لا المعطي.
قال ابن القيم رحمه الله:
وهذا أصلٌ معروفٌ مِن أصولِ الشرع: أنَّ العقدَ والبذلَ قد يكون جائزاً أو مستحبّاً أو واجباً مِن أحد الطرفين، مكروهاً أو محرَّماً مِن الطرف الآخر فيجب على الباذل أنْ يبذل ويحرم على الآخذِ أنْ يأخذه. ا.هـ (زاد المعاد [5/ 792]).
قلت: ومثله يقال فيمن لم يجد (فحلاً) لغنمه إلا بالبذل.
قال ابن حزم رحمه الله: ولا يحلُّ بيعُ كلبٍ أصلاً لا المباح اتخاذه ولا غيره، لصحة نهي النَّبيِّ ? عنه، فمَن اضطر إليه: فله أخذه ممن يستغني عنه بلا ثمنٍ. وإنْ لم يتمكَّن له فله ابتياعه، والثمنُ حرامٌ على البائع باقٍ على ملك المشتري، وإنما هو كالرشوة في المظلمة وفداء الأسير، لأنه أخذُ مالٍ بالباطل. ا. هـ (المحلى [6/ 175]).
===
(1) مهر البغي: ما تأخذه الزانية على الزنا، سمَّاه مهراً، لكونه على صورته، وهو حرامٌ بإجماع المسلمين.
(2) حلوان الكاهن: ما يُعطاه الكاهن على كهانته.
(3) وقال النسائي والدارقطني: متروك وهو ما رجحه الحافظ في التقريب. انظر: تهذيب التهذيب [12/ 248].
(4) المحلى [6/ 174]، المجموع [9/ 272]، وإذا ثبت تحريم البيع؛ بُنِيَ عليه أحكام كثيرة، مثل عدم جواز كونه مهراً أو عوضاً عن خلع، ومثل عدم جواز رهنه، وأن لا قطع في سرقته، وسيأتي بعض هذه الأحكام إن شاء الله.
(5) زاد المعاد [5/ 767]، وقال ابن عبد البر في التمهيد [8/ 399]: ظاهر هذا الحديث - أي: الأول -يشهد لصحة قول من نهى عنه وحرّمه ا. هـ. وانظر: شرح مشكل الآثار [12/ 98].
(6) في الحُكم لا في الشَّكلِ!! فتنبه.
(7) شرح مشكل الآثار [12/ 84 - 89].
(8) الفتح [4/ 536]، تحفة الأحوذي [4/ 418]، أضواء البيان [2/ 233]، والقول عن عطاء، والنخعي: إنما هو إباحة كلب الصيد دون غيره.
(9) وقد نسبه إليه ابن حزم في المحلى [9/ 10].
(10) المجموع [1/ 273].
قال البيهقي -بعد أنْ ضعف أحاديث بيع كلب الصيد، والماشية -: والأحاديثُ الصحيحةُ عن النَّبيِّ ? في النهيِ عن ثمن الكلب خاليةٌ عن هذا الاستثناء وإنما الاستثناء في الأحاديث الصحاح في النهي عن الاقتناء ولعله شُبِّه على مَن ذكر في حديث النهي عن ثمنه مِن هؤلاء الرواة الذين هم دون الصحابة والتابعين ا. هـ سنن البيهقي [6/ 7].
(11) ورَدَّ النووي على هذا فقال: والجواب عن قياسهم على الوصية: أنها يحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها ولهذا تجوز الوصية بالمجهول والمعدوم والآبق. المجموع [9/ 273].
(12) هذه الردود من كلام الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان [2/ 233 - 234].
والله أعلم