تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمثل هذه الأحاديث تدل على أن الجهل ببعض الجزئيات يعذر من وقع فيه بالجهل أو التأويل أو الجهل بأصل الدين و هو إثبات ربوبية الخالق و ألوهيته و أسماءه و صفاته التي بانتفائها تنتفي الألوهية فمثل هذا لا يعذر بجهل أو تأويل لأن أصل الإسلام لا يثبت إلا بهذا فكيف يبقى إسلام إذا عدم مثل هذا.

فمثلا الرجل الذي ذرى نفسه لم ينف قدرة الله على العموم و إنما لشدة خوفه من الله تعالى مع إيمانه بقدرة الله تعالى على العقاب و كذلك إيمانه بالبعث و الحساب و لكن لما اشتد خوفه من هذا العذاب و الحساب أراد أن يفعل شيئا لعله إذا فعله لا يستطيع الله تعالى أن يعذبه مع إيمانه بوجود العذاب و الحساب و قدرة الله تعالى على عذاب و حساب غيره فهذا الرجل لم ينكر البعث و الحساب و العذاب بل هو من أشد الناس إيمانا بهذا لأنه من شدة علمه بهذا فعل ما فعل و إلا لو لم يكن متيقن من عذابه الله تعالى و حسابه لما شدد هذا التشديد على أولاده بأن يحرقوه و يسحقوه و يذروا نصفه في البر و نصفه في البحر و مع ذلك لم يكن متيقنا بأن مثل هذا ينجيه بل قال (لعل الله تعالى أن يضلني) فهل بعد هذا حجة لمحتج بأن من أنكر البعث أو أنكر قدرة الله تعالى على العموم أو أنكر خلق الله تعالى على العموم هل لأحد أن يحتج بهذا الحديث على عذر من كان هذا حاله بالجهل أو التأويل فالفرق واضح جدا عقلا و شرعا بين من أنكر الصفة على العموم و بين من أنكر عموم الصفة فمن أنكر الصفة على العموم كمن أنكر القدرة على العموم أو أنكر العلم على العموم فهذا لا ينفعه جهل أو تأويل لأنه من غير المعقول أنه هناك ربا مألوها لا يعلم شيئا أو لا يقدر على شئ و أما من أنكر عموم الصفة كمن أنكر عموم قدرة الله تعالى كما أنكر المعتزلة قدرة الله تعالى على خلق أفعال العباد أو أنكر عموم العلم كما في حديث عائشه رضي الله عنها فمثل هذا يقال بأنه لا يكفر حتى تقام عليه الحجه و تزال عنه الشبهه فتدبر هذا فإنه تفصيل قل أن تجده عند أحد اليوم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم.

و نلخص هذا القسم فنقول بأن ما كان العقل يوجبه قسمان:

قسم لا يعذر فيه بالجهل و هو ما يثبت به استحقاق الرب للألوهية

و قسم يعذر فيه بالجهل و هو ما كان في جزيئات بعض الصفات العقلية

و هذا التقسيم يفيدنا كذلك أن مدارك العقول تتفاوت و مسائله تتباين.

و هذا تنبيه يجب علينا ذكره و هو أنه يجب التفريق بين اعتقاد المعتزلة و بين ذكرناه هنا فالمعتزلة يرتبون على العقل العقاب و الثواب و أما نحن فنرتب الأسماء أي الشرعية كالشرك و غيرها من الأسماء على العقل فهذه الأسماء لها حقائق و قد ركز الله تعالى في عقول الناس و فطرهم بغض هذه الأسماء و حقائقها و أما العذاب و العقاب فلا يكون إلا بعد قيام الحجة فهنا اسماء شرعية علمت قبل ورود الشرع لأن مدركها العقل قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله (فصل

وقد فرق الله بين ما قبل الرسالة وما بعدها فى أسماء وأحكام وجمع بينهما فى أسماء وأحكام وذلك حجة على الطائفتين على من قال ان الافعال ليس فيها حسن وقبيح ومن قال انهم يستحقون العذاب على القولين

اما الاول فانه سماهم ظالمين وطاغين ومفسدين لقوله (إذهب إلى فرعون إنه طغى) وقوله (وإذ نادى ربك موسى ان ائت القوم الظالمين قوم فرعون الا يتقون) وقوله (ان فرعون علا فى الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيى نساءهم انه كان من المفسدين) فاخبر انه ظالما وطاغيا ومفسدا هو وقومه وهذه اسماء ذم الافعال والذم انما يكون فى الافعال السيئة القبيحة فدل ذلك على ان الأفعال تكون قبيحة مذمومة قبل مجىء الرسول اليهم لا يستحقون العذاب الا بعد اتيان الرسول اليهم لقوله (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)

وكذلك أخبر عن هود انه قال لقومه (اعبدوا الله ما لكم من

اله غيره إن أنتم إلا مفترون) فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله الها آخر فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة فانه يشرك بربه ويعدل به ويجعل معه آلهه أخرى ويجعل له أندادا قبل الرسول ويثبت أن هذه الاسماء مقدم عليها وكذلك اسم الجهل والجاهلية يقال جاهلية وجاهلا قبل مجىء الرسول واما التعذيب فلا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير