له بذي الرمل أوطارٌ وأوطانُ
يهفو إلى البان من قلبي نوازعُه
وما بيَ البانُ بل مَن دارهُ البانُ
الفصل الثاني
في ذكر الدرجات المذكورة في حديث معاذ
وهي ثلاث، أحدها: إطعام الطعام، وقد جعله الله في كتابه من الأسباب الموجبة للجنة ونعيمها، قال الله عز وجل:) ويُطعِمون الطعامَ على حبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" إنَّما نُطْعِمُكُم لوجهِ الله لا نُريدُ منكم جزآءً ولا شُكوراً" إنّا نخافُ من ربِّنا يوماً عبوساً قَمطريراً" فوقاهُمُ الله شرَّ ذلك اليومِ ولقّاهُمْ نَضْرةً وسُروراً" وجزاهُم بما صَبروا جنَّةً وحريراً" مُتَّكِئينَ فيها على الأرآئكِ لا يرونَ فيها شمساً ولا زَمْهريراً" ودانيةً عليهم ظِلالُها وذُلِّلتْ قُطُوفُها تذليلاً" ويُطافُ عليهم بآنيةٍ من فِضَّةٍ وأكوابٍ كانت قواريراً" قواريراً من فِضَّةٍ قدَّروهَا تقديراً" ويُسقَون فيها كأساً كان مِزاجُها زنجبيلاً" عيناً فيها تُسمَّى سَلْسَبِيلاً" (إلى قوله) وسقاهم ربُّهم شراباً طَهُوراً (. فوصف فاكهتهم وشرابهم جزاءً لإطعامهم الطعام، وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي) قال: "أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على ظمأٍ سقاه الله من الرحيق المختوم".
وفي المسند والترمذي عن علي عن النبي) قال: "إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها". قالوا: لمن هي يا رسول الله؟. قال: "لمن أطعم الطعام، وأطاب الكلام، وصلى بالليل والناس نيام".
[اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى]
ابن رجب
الصفحة: 9
[اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى]
ابن رجب
الصفحة: 10
وفي حديث عبد الله بن سلام الذي خرجه أهل السنن أنه سمع النبي) أول قدومه المدينة يقول: "أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".
وفي حديث عبادة عن النبي) أنه سئل: أي الأعمال أفضل؟. قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله وحج مبرور، وأهون من ذلك: إطعام الطعام، ولين الكلام". خرّجه الإمام أحمد. وفي حديث هانئ بن يزيد أن رجلاً قال: يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟. قال: "تطعم الطعام، وتُفشي السلام". وفي حديث حذيفة عن النبي) قال: "من خُتم له بإطعام مسكين دخل الجنة".
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو أن رجلاً قال: يا رسول الله! أي الإسلام خير؟. قال: "تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". وفي حديث صُهيب عن النبي) قال: "خيركم من أطعم الطعام".
فإطعام الطعام يوجب دخول الجنة، ويُباعد من النار ويُنجي منها كما قال تعالى:) فلا اقْتَحَمَ العَقَبةَ" ومآ أدْراك ما العقبةُ" فَكُّ رقَبةٍ" أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسْغَبةٍ" يتيماً ذا مقربةٍ" أو مِسكيناً ذا مَتربةٍ" (. وفي هذا الحديث الصحيح عن النبي): "اتقوا النار ولو بشق تمرة".
وكان أبو موسى الأشعري يقول لولده: "اذكروا صاحب الرغيف". ثم ذكر أن رجلاً من بني إسرائيل عبدَ الله سبعين سنة، ثم إن الشيطان حسَّن في عينيه امرأة فأقام معها سبعة أيامٍ، ثم خرج هارباً فأقام مع مساكين فتُصُدِّق عليه برغيف كان بعض أولئك المساكين يريده، فآثره به ثم مات، فوِزن عبادته بالسبعة الأيام التي مع المرأة فرجحت الأيام السبعة بعبادته، ثوم وُزن الرغيف بالسبعة الأيام فرجح بها.
ويتأكد إطعام الطعام للجائع وللجيران خصوصاً، وفي الصحيح عن أبي موسى الأشعري عن النبي) قال: "أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفُكّوا العاني". وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي) قال له: "يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعهد جيرانك". وفي المسند وصحيح الحاكم عن عمر عن النبي) قال: "أيما أهل عرضه أصبح فيهم امرؤٌ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله عز وجل ". وقال): "لا يشبع المؤمن دون جاره". وفي صحيح الحاكم عن ابن عباس عن النبي) قال: "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع". وفي رواية: "ما آمن من بات شبعاناً، وجاره طاوياً".
¥