[ابن حبان يداني الحاكم في التساهل]
ـ[محمد الأثري]ــــــــ[14 - 04 - 05, 07:52 ص]ـ
قال الإمام الحافظ السخاوي في كتابه الفذ ((فتح المغيث)) (1/ 35): ((وابن حبان يداني الحاكم في التساهل وذلك يقتضي النظر في أحاديثه أيضاً، لأنه غير متقيد بالمعدلين، بل ربما يخرج للمجهولين ولا سيما ومذهبه إدراج الحسن في الصحيح)).
وقال الإمام ابن حبان في كتابه ((الثقات)) (1/ 13): (( ... فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرَّى خبرُه عن الخصال الخمس التي ذكرتها، فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره، لأن العدل من لم يعرف منه الجرح ضد التعديل، فمن لم يجرح، فهو عدل إذا لم يبين ضده، إذ لم يكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم، جعلنا الله ممن أسبل عليه جلاليب الستر في الدنيا، واتصل ذلك بالعفو عن جناياته في العقبى، إنه فعال لما يريد)).
وقد رد أهل العلم هذا المذهب، وبينوا تساهل ابن حبان.
قال الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه ((لسان الميزان)) (1/ 208 ـ تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبوغدة): ((وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان، من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه، كان على العدالة إلى أن يتبين جَرحُه، مذهبٌ عجيب، والجمهور على خلافه)).
وممن أنكر مذهب ابن حبان ذهبي عصره العلامة النقاد الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله في كتابه ((التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل)) (1/ 255)، وممن أنكر أيضاً الكوثري في ((مقالاته)) (ص309)، والشيخ المحقق البارع العلامة عبد الفتاح أبوغدة في التعليق على ((قواعد في علم الحديث)) للتهانوي (216 ـ 225).
ويحسن بنا ونحن في هذا المقام أن نعرض لما قرره العلامة المعلمي اليماني – رحمه الله – إذ قال في ((التنكيل)) (2/ 450 – 451): ((والتحقيق أن توثيقه ـ يعني: ابن حبان ـ على درجات:
الأولى: أن يصرح به، كأن يقول: ((كان متقناً)) أو ((مستقيم الحديث)) أو نحو ذلك.
الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم.
الثالثة: أن يكون الرجل من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.
الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه عرف ذلك الرجل معرفة جيدة.
الخامسة: ما دون ذلك.
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم.
والثانية قريب منها.
والثالثة مقبولة.
والرابعة صالحة.
والخامسة لا يؤمن فيها الخلل – والله أعلم -)).
قال الدكتور عداب الحمش في كتابه ((رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل)) (ص72): ((والفصل في الرواة الذين سكت عليهم ابن حبان هو عرضهم على كتب النقد الأخرى، فإن وجدنا فيها كلاماً أخذنا بما نراه صواباً مما قاله أصحاب كتب النقد، وإن لم نجد فيها كلاماً شافياً طبقنا قواعد النقاد عليهم، وقواعد ابن حبان نفسه)).
مشكلة ابن حبان ليس فقط توثيق المجاهيل، بل أيضاً قلة التحقيق. مثال:
قال الذهبي في ميزان الاعتدال (1/ 441): ((ابنُ حِبّان ربما جَرَح الثقة حتى كأنه لا يَدري ما يَخرج من رأسه!)).
وقال الذهبي في ترجمة ((محمد بن الفضل السَّدُوسي عارم)) في ((الميزان)) (6/ 298): ((وقال الدارقطني: ((تغير بآخره، وما ظهر له بعد اختلاطه حديثٌ مُنكَرٌ، وهو ثقة)).
قلت ـ أي: الذهبي ـ: فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النَّسائي مثله. فأين هذا القول من قول ابن حبان الخَسَّاف المتهوِّر في عارم؟! فقال: ((اختَلَط في آخر عمره وتغيّر، حتى كان لا يدري ما يُحدّثُ به. فوقع في حديثه المناكير الكثيرة. فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون. فإذا لم يُعلَم هذا من هذا، تُرِكَ الكل ولا يُحتجّ بشيءٍ منها)).
قلتُ ـ أي: الذهبي ـ: ولم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً. فأين ما زعم؟!)).
وقال كذلك في ((السير)) (10/ 267): ((فانظر قول أمير المؤمنين في الحديث أبي الحسن (الدارقطني). فأين هذا من قول ذاك الخَسَّاف المتفاصِح أبي حاتم ابن حبان في عارم؟!)).
فابن حبان سمع بأن عارماً قد اختلط فقال مقولته بناء عليها. أما الدارقطني فحقق وجمع حديثه وتبين أنه -وإن اختلط- فهو لم يحدث بأحاديث منكرة. وفرق شاسع بين ابن حبان والدارقطني في التحقيق.
¥