" وبمثل قوله ولفظه قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (2/ 92) , بتفصيل أحسن وذلك بعد تقريره ترجيح أدلة تكفير تارك الصلاة:
قال أصحابنا يحكم بكفره في الوقت الذي يباح فيه دمه , وهو ما إذا دعي فامتنع ...
فأما إذا لم يدع ولم يمتنع , فهذا لا يجري عليه شيء من أحكام المرتدين في شيء من الأشياء.
ولهذا لم يعلم أن أحدا من تاركي الصلاة ترك غسله و الصلاة عليه ودفنه مع المسلمين , ولا منع ورثته ميراثه , ولا أهدر دمه بسبب ذلك مع كثرة تاركي الصلاة في كل عصر، والأمة لا تجتمع على ضلالة.
وقد حمل أصحابنا أحاديث الرجاء على هذا الضرب ا. هـ
نقول والامتناع هنا ـ لزوما ـ هو الامتناع الذي يتبعه القتل ,كما في أول كلامه رحمه الله، وكما صرح به أوضح تلميذه الإمام ابن القيم في الصلاة ص (24) أيضا حيث قال:
لا يقتل حتى يدعى إلى فعلها فيمتنع , فإذا دعي فامتنع لا من عذر حتى يخرج الوقت تحقق تركه وإصراره ا. هـ
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى (22/ 47 - 49) أثناء بحثه مسألة تارك الصلاة:
وأما من اعتقد وجوبها مع إصراره على الترك , فقد ذكر عليه المفرعون من الفقهاء فروعا ...
ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن في الباطن مقرا بوجوبها ولا ملتزما بفعلها، وهذا
كافر باتفاق المسلمين كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا, ودلت عليه النصوص الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة" رواه مسلم و قوله: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ا. هـ
نقول وبه تماما نقول (1) " ا. هـ
ثم نقل المشايخ ص (43) عن بعض أهل العلم أن عدم التكفير هو مذهب الجمهور، ثم قالوا:
" وتقدم قول ابن قدامة وابن تيمية أيضا واضحا جليا في أن هذا هو الإجماع العملي للمسلمين سلفا وخلفا " ا. هـ
وعلى هذا الكلام مؤاخذات، أذكرها لك على سبيل الإجمال ثم أفصل في بيانها.
أ ـ اقتصارهم في النقل الأول من شرح العمدة على ذلك الكلام وتركهم لما بعده مما يوضحه.
ب ـ تفسيرهم للامتناع واشتراطهم إتباعه بالقتل، في محاولة خاطئة لجعل صورة الامتناع هي نفسها صورة الترك مع التهديد بالقتل.
ج ـ إظهارهم الموافقة لكلام شيخ الإسلام مع تقريرهم خلاف ما تضمنته هذه الموافقة في مواطن كثيرة من التنوير، بل وفي نفس الصفحة.
د ـ دل نقلهم وموافقتهم على أنهم يتبنون أن شيخ الإسلام لا يكفر من تاركي الصلاة إلا المصر على الترك حال تهديده بالقتل فقط خلافا لمذهبه.
هذا موجز المؤاخذات وإليك التفصيل:
1 - أما اقتصارهم المذكور فيوضحه بقية كلام شيخ الإسلام فإنه قال بعد ذلك الكلام مباشرة:
" فإن قيل: فالأدلة الدالة على التكفير عامة عموما مقصودا , وإن حملتموها على هذه الصورة كما قيل قَلّتْ فائدتها و إدراك مقصود ها الأعظم، وليس في شيء منها هذه القيود؟
قلنا: الكفر على قسمين:
قسم تبنى عليه أحكام الدنيا من تحريم المناكح والذبائح ومنع التوارث والعقل وحل الدم والمال وغير ذلك ...
فهذا النوع لا نرتبه على تارك الصلاة حتى يتحقق امتناعه الذي هو الترك، لجواز أن يكون قد نوى القضاء فيما بعد، أو له عذر وشبه ذلك.
والثاني: ما يتعلق بأحكام الآخرة، والانحياز عن أمة محمد , واللحاق بأهل الكفر , ونحو ذلك ...
فمن لم يصل ولم ير أن يصلي قط، ومات على ذلك من غير توبة , فهذا تارك الصلاة مندرج في عموم الأحاديث وإن لم يظهر في الدنيا حكم كفره، ومن قال من أصحابنا لا يحكم بكفره إلا بعد الدعاء والامتناع فينبغي أن يحمل قوله على الكفر الظاهر , فأما كفر المنافقين فلا يشترط له ذلك فإن أحمد وسائر أصحابنا لم يشترطوا لحقيقة الكفر هذا الشرط، فأما إن أخرها عن وقتها وفعلها فيما بعد فمات ... فهذا مع أنه فاسق من أهل الكبائر ليس بكافر ... بخلاف من لم
[يصل مطلقا] فإنه يكون تاركا بالكلية كما تقدم ...
وأما من أخل بشيء من شرائطها وأركانها التي لا يسوغ فيها الخلاف , فهذا بمنزلة التارك لها فيما ذكره أصحابنا كما تقدم من حديث حذيفة , ولأن هذه الصلاة وجودها كعدمها في منع الاكتفاء بها فأشبه من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض " (2) ا. هـ
فهذه التتمة من كلام شيخ الإسلام بينت أمرين:
¥