قال ابن بهادر
إذا علمت هذا فقد نازع بعض المتأخرين وقال جوازه مشكل فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم فإسناد العمل إليه يوهم ثبوته ويؤدي إلى ظن من لا معرفة له بالحديث الصحة فينقلونه
ويحتجون به وفي ذلك تلبيس قال وقد نقل بعض الأثبات عن بعض تصانيف الحافظ أبي بكر بن
العربي المالكي أنه قال " إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا "
الثاني حيث قلنا بالجواز في الفضائل شرط الشيخ أبو الفتح القشيري في شرح الإلمام أن يكون
له اصل شاهد لذلك كاندراجه في عموم أو قاعدة كلية فأما في غير ذلك فلا يحتج به
وقال أيضا:
وحكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتاب الجهر بالبسملة عن القاضي
ابن العربي أنه سمع ابن عقيل الحنبلي في رحلته إلى العراق يقول:
" مذهب أحمد أن ضعيف الأثر خير من قوي النظر "
قال ابن العربي " هذه وهلة من أحمد لا تليق بمنصبه " فإن ضعيف الأثر لا يحتج
به مطلقا قال شيخنا شرف الدين بن قاضي الجبل من أصحابنا " من قال هذا من تصرف
ابن عقيل في المذهب على القواعد وليس كذلك فقد نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله
ذكره في مسائله ورواه عنه شيخ الإسلام الأنصاري في كتابه ونصه قال عبد الله قال أبي
" ضعيف الحديث خير من قوي الراي "
قال شيخنا القاضي شرف الدين " وإنما أتي من أنكر هذه اللفظة على أحمد لعدم معرفته
بمراده فإن الضعيف عند أحمد غير الضعيف في عرف المتأخرين فعنده الحديث ينقسم إلى
صحيح وضعيف لأنه ضعف عن درجة الصحيح وأما
الضعيف بالاصطلاح المشهور فإن أحمد لا يعرج عليه أصلا " انتهى
وقريب من هذا قول ابن حزم إن الحنفية متفقون على أن مذهب أبي حنيفة أن ضعيف
الحديث عنده أولى من الرأي والظاهر أن مرادهم بالضعيف ما سبق
الثانية إذا وجد له شاهد مقو مؤكد ثم الشاهد إما من الكتاب أو السنة والذي من الكتاب
إما بلفظه كحديث " ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا " فهذه الصيغة
بعينها في القرآن وأما بمعناه كحديث " نهى عن الغيبة
كلام جامع مانع للشيخ الألباني رحمه الله تعالى
وفي الثمر المستطاب
علق على قول النووي رحمه الله
(لكن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال باتفاق العلماء وهذا من ذاك)
فال الألباني رحمه الله
ثم عن ما ذكره من الاتفاق على العمل بالحديث الضعيف في فضائل
الأعمال ليس كذلك فإن من العلماء من لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقا لا في الأحكام
ولا في الفضائل
وقد حكى ذلك ابن سيد الناس في (عيون الأثر) عن يحيى بن معين
ونسبه في (فتح المغيب) لأبي بكر بن العربي.
قال العلامة جمال الدين القاسمي في (قواعد التحديث في مصطلح الحديث):
(والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضا يدل عليه شرط البخاري في (صحيحه)
وتشنيع الإمام مسلم على رواة الضعيف المتفق على ضعفه كما أسلفنا.
وهذا مذهب ابن حزم رحمه الله أيضا حيث قال في (الملل والنحل).
راجع كلامه فيه. وفي (المحلى) أيضا.
ويضاف هنا الشروط التي ذكرها الحافظ ابن حجر في (تبين العجب فيما ورد في فضل رجب)
والذي أعتقده وأدين الله به أن الحق في هذه المسألة مع العلماء الذين ذهبوا إلى ترك العمل
بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وذلك لأمور:
أولا: أن الحديث الضعيف لا يفيد إلا الظن اتفاقا والعمل بالظن لا يجوز
لقوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} [النجم / 28]
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإنه أكذب الحديث)
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا باجتناب الرواية عنه إلا ما علمنا صحته عنه
فقال: (اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم) ومن المعلوم أن
رواية الحديث إنما هي وسيلة للعمل بما ثبت فيه فإذا كان عليه الصلاة والسلام ينهانا
عن رواية ما لم يثبت عنه فمن باب أولى أن ينهى عن العمل به. وهذا بين واضح
ثالثا: أن فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم غنية عما لم يثبت
كما هو الأمر في هذه المسألة فإن هذا الحديث الصحيح بعمومه يغني عن الحديث الضعيف
وقال في تمام المنة
أنني أفهم من قولهم: ". . في فضائل الأعمال " أي الأعمال التي
ثبتت مشروعيتها بما تقوم الحجة به شرعا ويكون معه حديث ضعيف يسمى أجرا خاصا
لمن عمل به ففي مثل هذا يعمل به في فضائل الأعمال لأنه ليس فيه تشريع ذلك العمل به
وإنما فيه بيان فضل خاص يرجى أن يناله العامل به
¥