تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومثل ذلك، كمثل رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره، وكانت أصوت العصافير تشوش عليه، وفي يده شبة يطير بها، فما يستقر فكره حتى تعود العصافير فيشتغل بها، فقيل له: هذا شيء لا ينقطع، فإن أردت الخلاص؛ فاقطع الشجرة.

فكذلك شجرة الشهوة إذا علت وتفرقت أغصانها، انجذبت إليها الأفكار، كنجذاب العصافير إلى الأشجار، والذباب إلى الأقذار، فذهب العمر النفيس في دفع ما لا يندفع.

وسبب هذه الشهوة التي توجب هذه الفكار حب الدنيا.

واعلم أن قطع حب الدنيا من القلب أمر صعب، وزواله بالكلية عزيز، فليقع الاجتهاد في الممكن منه، والله الموفق المعين " (31).

- التعظيم لله والهيبة، وذلك يتولد من شيئين: معرفة جلال الله -تعالى- وعظمته، ومعرفة حقارة النفس وأنها مستعبدة؛ فيتولد من المعرفتين: الاستكانة والخشوع.

ومن ذلك: الرجاء، فإنه زائد على الخوف، فكم من معظم ملكاً يهابه لخوف سطوته، كما يرجو بره.

والمصلي ينبغي أن يكون راجياً بصلاتهالثواب، كما يخاف من تقصيره العقاب.

قال الحسن البصري: " إذا قمت إلى الصلاة، فقم قانتاً كما أمرك الله، وإياك والسهو والالتفات؛ أن ينظر الله إليك وتنظر إلى غيره، تسأل الله الجنة وتعوذ به من النار وقلبك ساه، ولا تدري ما تقول بلسانك " (32).

وقال يوسف بن الحسين: سُئل ذو النون عن الخشوع في الصلاة؟

فقال: " إجماع الهمم في الصلاة للصلاة، حتى لا يكون له شغل سواه " (33).

وقال أبوالحسين المجاشعي: قيل لعامر بن عبد قيس: أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال: " أحدثها بالوقوف بين يدي الله ومنصرفي " (34).

* * * * *

قال ابن قدامة: " ينبعي للمصلي أن يحضر قلبه عند كل شيء من الصلاة.

فإذا سمع نداء المؤذن؛ فليمثل النداء للقيامة ويشمر للإجابة، ولينظر بماذا يجيب، وبأي بدن يحضر.

وإذا ستر عورته؛ فليعلم أن المراد من ذلك تغطية فضائح بدنه عن الخلق؛ فليذكرعورات باطنه وفضائح سره التي لا يطلع عليها إلا الخالق، وليس لها عنه ساتر، وأنها يكفرها الندم والحياء والتوبة.

وإذا استقبل القبلة فقد صرف وجهه عن الجهات إلى جهة بيت الله -تعالى-، فصرف قلبه إلى الله -تعالى- أولى من ذلك، فكما أنه لا يتوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها؛ كذلك القلب لا ينصرف إلى الله -تعالى- إلا بالانصراف عما سواه.

وإذا كبرت أيها المصلي! فلا يكذبن قلبك لسانك؛ لأنه إذا كان في قلبك شيء أكبر من الله -تعالى- فقد كذبت، فاحذر أن يكون الهوىعندك أكبر، بدليل إيثارك موافقة طاعة الله -تعالى-.

فإذا استعذت، فاعلم أن الاستعاذة هي لجأ إلى الله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك؛ كان كلاك لغواً.

وتفهم معنى ما تتلو، وأحر التفهم بقلبك، عند قولك: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، واستحضر لطفه عند قولك: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3]، وعظمته عند قولك: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]، وكذلك في جميع ما تتلو.

واستشعر في ركوعك التواضع، وفي سجودك زيادة الذل؛ لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذي خلقت منه، وتفهم معن الأذكار بالذوق.

واعلم أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلوب من الصدأ، وحصول ألنوار فيه، التي بها تتلمح عظمة المعبود، وتطلع على أسراره، وما يعقلها إلا العالمون.

فأما من هو قائم بصور ةالصلاة دون معانيها؛ فإنه لا يطلع على شيء من ذلك، بل ينكر وجوده " (35).

* * * * *

قال أحمد: " رحم الله من غنم بصلاته، وأقبل فيها إلى ربه خاشعاً خاضعاً ذليلاً لله -عز وجل- " (36).

* * * * *

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وكتبه: محمد بن عبده آل محمد الأبيضي

ليلة الجمعة 11 / رمضان / 1426 هـ

* * * * *


(1) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (ص 29).
(2) أخرجه أحمد (10/ 63 / 21587) بإسناد حسن.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة بعده، (1/ 215 / 228).
(4) أخرجه ابن المبارك في الزهد (250 - 251/ 1076)، ومن طريقه: ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (1/ 185 / 133).
(5) أخرجه عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (1/ 207 / 229).
(6) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 125 / 7249).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير