تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويدل على وجوب الخشوع فيها –أيضا- قوله –تعالى- {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1 - 11]، أخبر -سبحانه وتعالى- أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضى أنه لا يرثها غيرهم، وقد دل هذا على وجوب هذه الخصال؛ إذ لو كان فيها ما هو مستحب؛ لكانت جنة الفردوس تورث بدونها؛ لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات، ولهذا لم يذكر فى هذه الخصال إلا ما هو واجب " (28).

وقال -أيضاً-: " ويدل على وجوب الخشوع فى الصلاة أن النبى -صلى الله عليه وسلم- توعد تاركيه، كالذى يرفع بصره إلى السماء، فإنه حركته ورفعه، وهو ضد حال الخاشع، فعن أنس بن مالك -رضى الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ما بال أقوام يرفعون أبصارهم فى صلاتهم "، فافشتد قوله فى ذلك، فقال: " لينتهن عن ذلك؛ أو لتخطفن أبصارهم "، وعن جابر بن سمرة قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد، وفيه ناس يصلون رافعي أبصارهم إلى السماء، فقال: " لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء؛ أو لا ترجع إليهم أبصارهم ".

الأول فى ((البخارى))، والثانى فى ((مسلم))، وكلاهما فى ((سنن أبى داود)) و ((النسائى)) و ((ابن ماجه)).

وقال محمد بن سيرين: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفع بصره فى الصلاة، فلما نزلت هذه الآية: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 - 2] لم يكن يجاوز بصره موضع سجوده.

رواه الإمام أحمد فى ((كتاب الناسخ والمنسوخ)).

فلما كان رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع؛ حرمه النبى -صلى الله عليه وسلم- وتوعد عليه " (29).

* * * * *

والخشوع في الصلاة يُتحصل بالإتيان بأشياء كثيرة، منها (30):

- حضور القلب، ومعناه أن يفرغ القلب من غير ما هو ملابس له، وسبب ذلك الهمة، فإنه متى أهمك أمر حضر قلبك ضرورة، فلا علاك لإحضاره إلا صرف الهمة إلى الصلاة.

وانصراف الهمة يقوى ويعف بحسب قوة الإيمان بالآخرة واحتقار الدنيا، فمتى رأيت قلبك لا يحضر في الصلاة؛ فاعلم أن سببه ضعف الإيمان، فاجتهد في تقيته.

- التفهم لمعنى الكلام، فإنه أمر وراء حضور القلب؛ لأنه ربما كان القلب حاضراً مع اللفظ دون المعنى، فينبغي صرف الذهن إلى إدراك المعنى بدفع الخواطر الشاغلة وقطع موادها، فإن المواد إذا لم تنقطع؛ لم تنصرف الخواطر.

والمواد إما ظاهرة، وهي ما يشغل السمع والبصر، وإما باطنة، وهي أشد، كمن تشعبت به الهموم في أودية الدنيا، فإنه لا ينحصر فكره في فن واحد، ولم يغنه غض بصره؛ لأن ما وقع في القلب كاف بالاشتغال به، وعلاج ذلك:

إن كان من المواد الظاهرة بقطع ما يشغل السمع والبصر، وهو القرب من القبلة، والنظر إلى موضع السجود، والاحتراز من المواضع المنقوشة، وألا يترك عندم ما يشغل حسه.

وإن كان من المواد الباطنة، فطريق علاجه أن يرد النفس قهراً إلى ما يقرأ، ويشغلها به عن غيره، ويستعد لذلك قبل الدخول إلى الصلاة، بأن يقضي أشغاله، ويجتهد في تفريغ قلبه، ويجدد على نفسه ذكر الآخرة وخطر القيام بين يدي الله -عز وجل- وهول المطلع، فإن لم تسكن الأفكار بذلك؛ فليعلم أنه إنما يتفكر فيما أهمه واشتهاه، فليترك تلك الشهوات وليقطع تلك العلائق.

قال ابن قدامة: " اعلم أن العلة متى تمكنت لا ينفعها إلا الدواء القوي، والعلة إذا قويت جاذبت المصلي وجاذبها إلى أن تنقضي الصلاة في المجاذبة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير