تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم شاء الله عز وجل أن نقترب من الشيخ أكثر، إذ كنت أتصل به كثيراً لأعرض عليه بعض ما يشكل عليَّ من المسائل أثناء الدراسة، ولا سيما فيما يتعلق بالتخصص (السياسة الشرعية)، والشيخ على علم بهذا الفنّ، بل قد مارس بعض مجالاته عملياً أثناء عمله في ديوان المظالم، وكنت أجد أجوبة تدلّ على عمق علمي، يستند فيها الشيخ إلى النصّ ويرعى فيها المقصد .. ولمّا رأيت من الشيخ انشراحاً، عزمت وبعض زملائي على أنّ نتقدم إلى الشيخ بطلب دروس خاصّة في فنّ السياسة الشرعية، فوجدنا منه ترحيباً عجيباً، ولم نلبث أن حدّدنا الوقت والكتب، وبدأنا القراءة على الشيخ .. فأنهينا عليه - بحمد الله – كتاب السياسة الشرعية، للإمام أبي العبّاس ابن تيمية، وكتاب: مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، لأبي عبد الله البعلي، والاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، لأبي الحسن البعلي، وكتاب: الطرق الحكمية، للعلامة ابن قيم الجوزية، وكتباً أخرى موسمية، وبعض البحوث العلمية، إضافة إلى بعض الكتب التي بدأناها ولم ننهها، بسبب اشتداد المرض عليه رحمه الله، ورفع الله درجته وأجزل الله مثوبته ..

كان هذا الدرس خاصّاً، فلم يكن يحضره سوى بعض الزملاء – ومنهم الآن القضاة والأساتذة الأكاديميون، و والله لقد كنّا نجد الشيخ – أحياناً - واقفاً الباب ينتظرنا! ويصرح لنا بمدى اهتمامه وحبه لهذا الدرس! .. ومع ما يستفاد منه من التواضع والسمت الحسن، كان مما يميز درس الشيخ – رحمه الله ورفع درجته وأجزل الله مثوبته – استحضاره السوابقَ القضائية والتاريخية، مما له صلة بموضوع كثير من الدروس .. وهذا في حد ذاته، مطلب أندر من الكبريت الأحمر كما يقال ..

وفي ظلال هذه الجلسات العلمية التي تعقد في مكتبة الشيخ المنزلية، كان المجال خصباً للتعرّف على منهج الشيخ في البحث والترجيح، والتطبيق الفقهي على الوقائع ..

فكان مما استفدناه منه في هذه الجلسات: أنَّ الشيخ - رحمه الله – لا يأبه بأي قول ليس له مستند من الكتاب والسنّة، مهما كان قائله. وهذا من آثار تتلمذه على الشيخ ابن باز رحمه الله! و كان يرى أنَّ ابن باز رحمه الله هو مجدِّد فقه الحديث في الجزيرة العربية ..

وحكى لنا – رحمه الله - بدايات اعتماده للأخذ بفقه أهل الحديث، قائلاً: كنت أتردد على ورّاق بحي البطحاء بالرياض، فوقع نظري ذات مرّة على كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، للعلامة الشوكاني، فلمّا تصفحته، أُعجبت به كثيراً، فاشتريته واقتنيته، ومن ثمّ تأثرت بمنهجه في الاستدلال. وكان رحمه الله يحتفظ بنسخة من (بلوغ المرام، للحافظ ابن حجر رحمه الله) عليها تعليقات الشيخ ابن باز رحمه الله، وتصحيحاته وتعقيباته، وبعضها بخط الشيخ ابن باز رحمه الله، وكان يخرجه لنا إذا ما عرض لنا حديث للشيخ ابن باز تعقيب عليه .. فقد كان يستذكر تلك الأحاديث من بين بقية الأحاديث ..

ومما استفدناه منه رحمه الله: أنَّ على طالب العلم أنّ لا يكون متذبذبا، تتجاذبه الأقوال والآراء، بل عليه أن لا يقبل قولاً إلا بحجة، وإذا ثبت لديه القول بالحجة، فلا ينتقل عنه إلا أن يتيقن حجة أقوى من حجته السابقة .. وكم في هذه الفائدة من فقه وعلم ..

ومما استفدناه من سيرته العطرة، أنَّ على طالب العلم أن يلزم غرز العلماء الكبار، ليعرف ما يأتي وما يذر، فيحيى عن بيِّنة، ولا يقع فريسة لكاتب هالك، أو متعالم جاهل .. لقد كان الشيخ على صلة قوية بمشايخه، وكان يلجأ بعد الله عز وجل إليهم .. ومنهم على سبيل المثال، العلامة الجليل الفقيه الأصولي الكبير الشيخ: عبد الرزاق عفيفي رحمه الله .. فكان يشكو إليه بعض ما يعتب عليه أقرانه مما لم يدركوه من أمور الواقع، فيجد من الشيخ عبد الرزاق رحمه الله عوناً له على الثبات وردّ الشبهات ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير