تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما استفدناه منه رحمه الله: ما نصّه: " الأوامر التي تأتي على خلاف القاعدة، لا تؤخذ على أنَّها قاعدة، وإنَّما تؤخذ كما جاءت نادرة، مثلاً: قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للطور والمرسلات والأعراف في المغرب، التي الغالب فيها القراءة بقصار المفصّل، فلا يؤخذ بالسنّة التي وردت على خلاف الغالب، في الغالب؛ أنّنا نكون عكسنا القاعدة ". قلت: كم أجرى بعض النّاس النادر مجرى الغالب، فوجدنا من يقرأ الزلزلة في ركعتي الفجر في الأسبوع عدة مرات زاعماً اتَّباع السنّة! ..

ومما يزيدك حباً للشيخ، اهتمامه بالعلم الأصيل، دون التعلق بالتوابع والاستكثار من الإجازات، وما إليها، وهي قاعدة قديمة عنده، بل إنَّ من تطبيقاتها القديمة لديه – وقد ناقشته فيها لعدم تسليمي له بها -: أنَّه ختم القرآن على أحد القراء في المسجد النبوي، فلما انتهى طلب منه المقريء أنّ يتبعه لداره، ليكتب له الإجازة في قراءة حفص عن عاصم، فأبى شيخنا ذلك، وقد دُهش المقريء لمَّا قال له الشيخ: ما جئت للإجازة، إنَّما جئتك لأضبط القراءة! وإنَّما لم أسلِّم لشيخي بالامتناع عن الإجازة، لأنَّ إجازات القرآن والقراءات، لا زالت بعافية ولله الحمد، فلا تُعطى إلا لمن يستحقها، بخلاف غيرها، وكتاب الله عز وجل، لا يُتقنه من لم يأخذه من أفواه القراء المتقنين ..

قلت: وأمَّا ما وافقت شيخي فيه بهذا الشأن، فهو مقت اللهث وراء الإجازات، والانشغال بها عن العلم، حتى رأيت من الطلبة من لا همّ له إلا هي، يرحل ويضعن من أجلها، ورأيت من يحضر بعض مجالس العرض في آخر جلسة، ليسمع حديثاً واحداً أو لا يسمع شيئاً، حتى يدوَّن اسمه فيمن حضر! والله المستعان!

وأمَّا سعة أفق الشيخ وعنايته بشؤون الأمّة، وحبِّه لجمع الشمل، وتوحيد الكلمة، وقدراته الدبلوماسية في هذا الشأن، فشيء قد لا يخطر على البال! ولو تركت لقلمي المجال، لربما طال المقام وفاتت المناسبة دون أقدم لمحبيه عنه شيئاً ..

ولكن أكتفي بذكر طرفٍ - حرّج علينا الشيخ نشره في حياته – ليكشف لنا شيئاً من جهوده العملية في متابعة شؤون الأمّة التي لا تحدّها الأقاليم ..

مرّة كان الحديث في الدرس عن الشفاعة - فيما أظن – وأثناء القراءة، ضحك الشيخ فلفت انتباهنا، ثم سكت مبتسماً برهة، ونحن نبادله الابتسامة نتحيّن ما بعدها، وحينها أدرك الشيخ مبتغانا، وكاد يعود بنا حيث وقفنا، ولكن النّفوس قد تهيئت لأمر تردّد فيه الشيخ، فلم ندعه حتى نطق، فقصَّ علينا القصّة التالية (أسوقها كما أتذكرها قدر المستطاع) قال:

ذات مرّة اتصل بي الشيخ عبد العزيز (يعني ابن باز - رحمه الله – وكان ابن باز حياً حين إخبارنا بالقصة) بعد صلاة العصر، وقال: يا شيخ عبد الله! أريد أن تأتيني الآن! فاتجهت إليه وأنا أُفكِّر: ماذا يريد الشيخ في هذا الوقت الذي هو وقت راحته في العادة .. ولما وصلت داره، وجدته في انتظاري، يترقب مجيئي إليه وبيده ظرف مغلق .. فرحب بي ثم سارَّني قائلاً: يا شيخ عبد الله، تذْكِرتُك إلى باكستان جاهزة، وأريد أن تسلِّم هذا الخطاب لأخينا ضياء الحق بنفسك! .. وحكى لي قصة الظرف باختصار .. فحاولت أن أعتذر لبعض الأشغال الخاصة، فلم يترك لي الشيخ مجالا، وقال: استعن بالله، وستجد الإخوة في انتظارك هناك! .. قال: فجهزت نفسي وسافرت إلى هناك، ولما وصلت مطار إسلام آباد، وجدت جمعاً من الإخوة في استقبالي، وسرنا إلى حيث كان الرئيس ضياء الحق رحمه الله، ووجدنا ضياء الحق عند مدخل المبنى، فاستقبلنا ورحب بنا ترحيبا قوياً، ثم جلسنا وسلمته الخطاب، فنظر فيه، ثم قال: إن شاء الله .. إن شاء الله .. ولمَّا هممنا بالانصراف، قال: بلّغ سلامنا للشيخ ابن باز .. وإن شاء الله يسمع ما يسره (أو كلاماً نحو هذا). قال: وكان الشيخ قد قال لي: هذا الخطاب فيه شفاعة خاصّة في أخينا نجم الدين أربكان، لعلّ الله ييسر له الخروج من السجن .. وكان نجم الدين أربكان – وفقه الله - قد سُجن حينها بأمر من الرئيس التركي الجنرال الهالك كنعان إيفرين - عليه من الله ما يستحق ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير